المراد من النوع، البيت الثالث، فإن الشاعر قصد تعظيم الممدوح وتفخيم أمر داره التي قصد فيها، ومدح يومه الذي لقيه فيه، فجعل الممدوح جميع الورى، وجعل داره الدنيا، ويومه الدهر، فجعل الجزء كليًّا بعد حصر أقسام الجزئي، أما جعله الجزئي كليًّا فلأن الممدوح جزء من الورى، والدار جزء من الدنيا، واليوم جزء من الدّهر، وأما حصر أقسام الجزئي؛ فلأن العالم عبارة عن أجسام وظروف زمان وظروف مكان، وقد حصر ذلك، وهذا النوع صعب المسالك في نظمه، عزيز الوقوع والتحصيل، وقد فر العميان من نظمه.
وبيت الشيخ صفي الدين الحلي فيه:
شخص هو العالم الكلي في شرف ... ونفسه الجوهر القدسي في عظم
الشيخ صفي الدين جعل الجزئي كليًّا فقط، وهو القسم الأول، لكون الواحد لا يسع جميع القيود وبيت الشيخ عز الدين:
فألحق الجزء بالكلي منحصرًا ... إذ دينه الجنس للأديان كلهم
هذا البيت ما وجدت فيه للكلام فسحة لأمور، وبيت بديعيتي:
ألحق بحصر جميع الأنبياء به ... فالجزء يلحق بالكلي للعظم
النبي -صلى الله عليه وسلم- صالح أن يكون هنا كليًّا، العلو مقداره وعظمه، فقولي عن الأنبياء: فالجزء يلحق بالكلي للعظم، لا يخفى ما فيه من المبالغة والمغالاة في وصف الممدوح، صلى الله عليه وسلم، هذا مع تحرير هذا النوع الذي يدق عن أفهام كثيرة، وإيضاحه مع التورية باسمه، وسهولة تركيبه وانسجامه، وما أعلم له في هذا الباب نظيرًا، وما أوضحه وزاده طلاوة وحسنًا إلا تشريفه بالمديح النبوي.