ذكر السلب والإيجاب:

إيجابه بالعطايا ليس يسلبه ... ويسلب المنّ منه سلب محتشم

هذا النوع، أعني: السلب والإيجاب، ذكر ابن أبي الأصبع في "تحرير التحبير": أنه من مستخرجاته. ولكن رأيت لأبي هلال العسكري تقريرًا حسنًا على هذا النوع، وهو أن يبني المتكلم كلامه على نفي شيء من جهة، وإثباته من جهة أخرى، والذي قرَّره ابن أبي الأصبع، هو أن يقصد المادح إفراد ممدوحه بصفة لا يشركه فيها غيره، فينفيها في أوّل كلامه عن جميع الناس، ويثبتها لممدوحه بعد ذلك، كقول الخنساء في أخيها:

وما بلغت كف امرئ متطاولًا ... من المجد إلا والذي نلت أطول

ولا بلغ المهدون للناس مدحة ... وأن أطنبوا إلا الذي فيك أفضل

قال الشيخ زكي الدين بن أبي الأصبع: ويروى متناولًا، ونصبها على أنها مفعول به، وما هنا أبلغ، وعلى هذه الرواية رسمنا هذا الشاهد. وأخذ أبو نواس معنى البيت الثاني، ولكن لم يتمكن منه إلا في بيتين، ومع ذلك قصر عنه تقصيرًا زائدًا، فقال:

إذا نحن أثنينا عليك بصالح ... فأنت كما نثني وفوق الذي نثني

وإن جرت الألفاظ منا بمدحة ... لغيرك إنسانًا فأنت الذي نعني

هذا كله عين كلام الخنساء، ولكن فاته وإن أطنبوا في بيت الخنساء، وقولها: وما بلغ المهدون، وكل هذه المبالغات قصر عنها أبو نواس، والفرق بين فأنت الذي نعني، وبين الذي فيك أفضل ظاهر وأعظم الشواهد علي هذا النوع قوله تعالى: {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} 2 ومنه قول امرئ القيس:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015