قالوا طويل نجاد السيف قلت وكم ... لناره ألسن تكني عن الكرم1
الكناية: هي الإرداف بعينه، عند علماء البيان، وإنما علماء البديع أفردوا الإرداف عنها، والكناية هي أن يريد المتكلم إثبات معنى من المعاني، فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة، ولكن يجيء إلى معنى ردفه في الوجود فيومئ إليه، ويجعله دليلًا عليه، مثال ذلك قولهم: طويل النجاد، كثير الرماد، يعنون بذلك أنه طويل القامة، كثير القرى2. فلم يذكروا المراد بذكره الخاص به، ولكن توصلوا إليه بمعنى آخر هو رديفه في الوجود، ألا ترى أن القامة إذا طالت طال النجاد، وإذا كثر القرى كثر الرماد؟ ومن أحسن الأمثلة على هذا النوع قول الشاعر:
بعيدة مهوى القرط أما لنوفل ... أبوها وأما عبد شمس وهاشم3
أراد أن يذكر طول جيدها فأتى بتابعه وهو بعد مهوى القرط. ومثله قول ليلى الأخيلية:
ومخرّق عنه القميص تخاله ... وسط البيوت من الحياء سقيما
كَنّتْ عن الإفراط في الجود بخرق القميص، لجذب العفاة له عند ازدحامهم عليه لأخذ العطاء.
والأبلغ في هذا الباب والأبدع، أن يكني المتكلم عن اللفظ القبيح باللفظ الحسن.