الكلام عليه في موضعه. ومن أحسن الشواهد على هذا القسم قول الشيخ شرف الدين بن عبد العزيز شيخ شيوخ حماة، رحمه الله تعالى:

قالوا أما في جلق نزهة ... تنسيك من أنت به مغرى

يا عاذلي دونك من لحظه ... سهمًا ومن عارضه سطرا

الشاهد هنا في موضعين، وهما: السهم وسطرا، فإن المعنى البعيد هما الموضعان المشهوران بمتنزهات دمشق، وذكر النزهة بجلق قبلهما هو المبين لهما، وأما المعنى القريب فسهم اللحظ وسطر العارض.

القسم الثاني من التورية المبينة: هو الذي يذكر فيه لازم المورى عنه بعد لفظ التورية، ومن أمثلته البديعة قول الشاعر:

أرى ذنب السرحان في الأفق ساطعًا ... فهل ممكن أن الغزالة تطلع1

الشاهد هنا في موضعين2:

أحدهما ذنب السرحان، فإنه يحتمل أول ضوء الفجر، وهذا هو المعنى البعيد المورّى عنه وهو مراد الناظم، وقد بينه بذكر لازمه بعده بقوله ساطعًا، ويحتمل ذنب الحيوان المعروف، وهذا هو المعنى القريب المورّى به.

واستشهدوا على هذا القسم بقول ابن سناء الملك، وهو:

أما والله لولا خوف سخطك ... لهان عليَّ ما ألقى برهطك

ملكت الخافقين فتهت عجبًا ... وليس هما سوى قلبي وقرطك

الشاهد هنا في: الخافقين، فإنه يحتمل أن يريد قلبه وقرط محبوبه، وهذا هو المعنى البعيد المورى عنه وهو مراد الناظم، وقد بينه بالنص عليه فإنه صرح بعد الخافقين بذكر القلب والقرط، ويحتمل أن يريد ملك المشرق والمغرب وهذا هو المعنى القريب المورى به.

النوع الرابع: التورية المهيأة: وهي التي لا تقع فيها التورية ولا تتهيأ إلا باللفظ الذي قبلها، أو باللفظ الذي بعدها، أو تكون التورية في لفظين لولا كل منهما لما تهيأت في الآخر. فالمهيأة، بهذا الاعتبار، ثلاثة أقسام: القسم الأول من التورية المهيأة: وهو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015