والاستخدام". وجاء من شعراء الشام جماعة تأخر عصرهم، وتأزر نصرهم، ولأن في هذا النوع هصرهم1 وبعد حصرهم، كل ناظم تود الشعرى2، لو كانت له شعرًا، ويتمنى الصبح لو كان له طرسًا والغسق مددًا والنثرة3 نثرًا، ما حلا من بنات فكره خودًا4 إلا شاب لحسنها الوليد، وسيرها في الآفاق وبين يديها من النجوم جوارٍ5 ومن الشعراء عبيد، كالشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصاري شيخ شيوخ حماة، والأمير مجير الدين بن تميم، وبدر الدين يوسف بن لؤلؤ الذهبي، ومحيي الدين بن قرناض الحموي، وشمس الدين محمد بن العفيف، وسيف الدين بن المشد. وقال الشيخ صلاح الدين في أواخر ديباجة كتابه المذكور. ومع هؤلاء جماعة يحضرني ذكرهم عند شعرهم، ويعز عليّ إذ لم أرهم على تكاثرهم لفوات عصرهم. وتلطف بقوله بعد ذلك: ولا تقل أيها الواقف على هذا التأليف، لقد أفرطت في التعصب لأهل مصر والشام، على من دونهم من الأنام، وهذا باطل ودعوى عدوان، وحمية لأوطانك ومن جاورها من البلدان. فالجواب أن الكلام في التورية لا غير، ومن هنا تنقطع المادة في السير، ومن ادعى أنه يأتي بدليل وبرهان. فالمقياس بيننا والشقراء6 والميدان. انتهى كلام الشيخ صلاح الدين الصفدي.
قلت: قد تقدم وتقرر أن التورية عند علماء هذا الفن بمنزلة الإنسان7 من العين، وسموها في البلاغة سموّ الذهب على العين8، وقد ثبت أن خواطر المتقدمين كانت بها شحيحة، وأفكارهم لا تقصد مظانها9 وإن كانت سليمة صحيحة، لكنها ربما وقعت لهم عفوًا من غير مرام10، فنقول إنها رمية من غير رامٍ. وقد علم أن المتأخرين من الفاضل إلى من فضل بعدهم نور مشكاتها11، والمتفكهين في أدواح الأدب بثمراتها، فإذا جليت عرائس أفكارهم على اختلاف أنواع التورية لا يمل المتأمل، اللهم إلا أن يكون سيف