ذكر التورية:

أوصافه الغر قد حلت بتورية ... جيدي وعقد لساني بعد ذا وفمي

التورية، يقال لها: الإيهام والتوجيه والتخيير. والتورية أولى في التسمية لقربها من مطابقة المسمّى، لأنها مصدر وريت الخبر تورية إذا سترته وأظهرت غيره، كأن المتكلم يجعله وراءه بحيث لا يظهر. وهي في الاصطلاح، أن يذكر المتكلم لفظًا مفردًا له معنيان حقيقيان، أو حقيقة ومجازًا، أحدهما قريب ودلالة اللفظ عليه ظاهرة والآخر بعيد ودلالة اللفظ عليه خفية، فيريد المتكلم المعنى البعيد ويوري عنه بالمعنى القريب، فيتوهم السامع أول وهلة، أنه يريد القريب وليس كذلك، ولأجل هذا سُمّي هذا النوع إيهامًا، ومثل ذلك قول أبي العلاء المعري:

وحرف كنون تحت راء ولم يكن ... بدال يؤم الرسم غيَّره النقط

فمن سمع هذا البيت توهم أنه يريد براء ودال حرفي الهجاء؛ لأنه صدر بيته بذكر الحروف وأتبع ذلك بالرسم والنقط، وهذا هنا هو المعنى القريب المتبادر أولًا إلى ذهن السامع، والمراد غيره وهو المعنى البعيد المورى عنه بالقريب؛ لأن مراده بالحرف الناقة، وبحرف النون تشبيه الناقة به في تقويسها وضمورها، وبراء اسم الفاعل من رأى إذا ضرب الرئة، وبدال اسم الفاعل من دلا يدلو إذا رفق في السير، وبالرسم أثر الدار، وبالنقط المطر. ومعنى هذا البيت أن هذه الناقة لضعفها وانحنائها مثل نون تحت رجل يضرب رئتيها ولم يرفق بها في السير فهو غير دال، وقد تقدم أن الدالي هو الرفيق ويؤم بها دارًا غَيَّر المطر رسمها. واجتماع هذه الأوصاف دليل على ضعف الناقة؛ لأنها لو كانت قوية لما احتاجت إلى ضرب رئتيها، وإلى الرفق بها مع شدة شوقه إلى ديار أحبابه، وذلك باعث على شدة السير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015