ففي طلعة شمس التورية هنا ما يغني عن النظر إلى زحل الجناس ولقد أحسن من قال:

انظر إلى صور الألفاظ واحدة ... وإنما بالمعاني تعشق الصور

والجناس من صور الألفاظ، وممن وافق على ذلك علامة عصره الشهاب محمود، وقال: إنما يحسن الجناس إذا قل، وأنى في الكلام عفوًا، من غير كد ولا استكراه ولا بعد ولا ميل إلى جانب الركة1، ولا يكون كقول الأعشى.

وقد غدوت إلى الحانوت يتبعني ... شاو مشل شلول شلشل شول2

ولا كقول مسلم بن الوليد:

شلت وشلت ثم شل شليلها ... فإني شليل شليلها مشلولا3

ولا بأس به في مطالع القصائد، إن تعذر على الناظم أن يركبه تورية، فإنه نوع متوسط، بالنسبة إلى ما فوقه من أنواع البديع، كما قرره مشايخه، كالتورية والاستخدام والاستعارة والتشبيه، وما قارب ذلك من أنواع البديع. وحكي عن ابن جني: أن الأصمعي كان يدفع قول العامة إذا قالوا هذا يجانس هذا إذا كان من شكله، ويقول ليس بعربي خالص. وقال ابن رشيق صاحب العمدة: هو من أنواع الفراغ. وقلة الفائدة، ومما لا يشك في تكلله. وقد كثر منه هؤلاء الساقة المتعقبون في نظمهم ونثرهم حتى برد ورك "انتهى كلامه". ولم يحتج إليه، بكثرة استعماله، إلا من قصرت همته عن اختراع المعاني التي هي كالنجوم الزاهرة في أفق الألفاظ، وإذا خلت بيوت الألفاظ من سكان المعاني تنزلت منزلة الأطلال البالية، وما أحلى قول الفاضل هنا:

إنما الدار قبل بالسكان ... ثم بعد السكان بالجيران

فإذا ما الأرواح شردها الحتـ ... ـف فماذا يراد بالأبدان

وكان الشيخ صلاح الدين الصفدي يستسمن ورمه ويظنه شحمًا، فيشبع أفكاره منه ويملأ بطون دفاتره، ويأتي فيه بتراكيب تخف عندها جلاميد الصخور، كقوله غفر الله له:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015