"قيلوا فإن الشياطين لا تقيل؟ فقال إبليس: ها هو قد عرفني قبل رؤيتي، فلما خرج قال له إبليس: هل في قدرة الله تعالى أن يدخل الجمل في سم الخياط؟ فقال له: أتشك في قدرة الله تعالى أن يوسع سم الخياط حتى يدخل فيه الجمل، أو يرقق الجمل حتى يصير كالخيط فيدخل في سم الخياط! فانصرفا، وقال إبليس لرفيقه: معرفة هذا بالله تمحو ذنوبه، وحاله خير من حال العابد الجاهل بالله. انتهى.
وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته، على نوع الإغراق:
في معرك لا تثير الخيل عثيره ... مما تروي المواضي تربه بدم1
بيت الشيخ صفي الدين الحلي على هذا النوع أبرزه بغير أداة التقريب، وهو بيت عامر قريب من العقل بعيد من الوقوع عادة، على شرط الإغراق، لكنه غير صالح للتجريد وقد تقرر وتكرر: أن بيوت البديعيات شواهد على الأنواع، فلا ينبغي أن يكون البيت متعلقًا بما قبله، ولا بما بعده.
وبيت بديعية العميان يقولون فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد أتوا فيه بأداة التقريب حيث قالوا:
لو قابل الشهب ليلًا في مطالعها ... خرّت حياء وأبدت برّ محترم
لو شاء إغراق وجه الأرض أجمعه ... ندى يديه لأحياها ولم يضم2
وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم:
لو شاء إغراق من ناواه مد له ... في البر بحرًا بموج فيه ملتطم3
على كل تقدير، مقام النبي -صلى الله عليه وسلم- صالح للمغالاة بالإغراق في مديحه، والله أعلم.