المجلد الثاني
نوادر المدح في أوصافه نشقت ... منه الصبا فأتتنا وهي في شمم
هذا النوع، أعني النوادر، سماه قوم الإغراب والطرفة، وهو أن يأتي الشاعر بمعنى يستغرب، لقلة استعماله، لا لأنه لم يسمع بمثله. وهذا مما اختاره قدامة دون غيره، ولكن غالب علماء البديع اختاروا غير رأي قدامة في هذا النوع، فإنهم قالوا: لا يكون المعنى غريبًا إلا إذا لم يسمع بمثله.
وأورد زكي الدين بن أبي الأصبع، في كتابه المسمّى: "بتحرير التحبير" لنوع النوادر حدًّا أقرب إليه من اختيار قدامة، وأبلغ وأوقع في النفوس، وهو أن يعمد الشاعر إلى معنى مشهور، ليس بغريب في بابه، فيغرب فيه بزيادة لم تقع لغيره، ليصير بها ذلك المعنى المشهور غريبًا، وينفرد به دون كل من نطق به. وبيان ذلك أن تشبيه الحسان بالشمس والبدر مبذول معروف، قد ذهبت طلاوته لكثرة ابتذاله، وكان سابق المتقدمين وقبلة المتأخرين، القاضي الفاضل، أنفت نفسه من المثابرة على هذا الابتذال، وكثرة تشبيه الحسان بالبدور، فقال:
تراءى ومرآة السماء صقيلة ... فأثر فيها وجهه صورة البدر
سبحان المانح حاصل كلامه تشبيه محسوبه بالبدر، ولكن زيادة هذه النادرة اللطيفة لا تخفى إلا على أكمه1 لا يعرف القمر، وعلى هذا المنوال نسجت بيت بديعيتي.