رجع إلى فتح باب ما كنا فيه، من تشبيه المحسوس بالمحسوس، فمن التشابيه الملوكية التي لا يقع مثلها للسوقة، تشبيه سيف الدولة بن حمدان في قوس قزح وهو:
وساق صبيح للصبوح دعوته ... فقام وفي أجفانه سنة الغمض
يطوف بكاسات العقار كأنجم ... فمن بين منفض لدينا ومنقض
وقد نشرت أيدي الجنوب مطارفًا ... على الجود كنا والحواشي على الأرض1
يطرزها قوس السحاب بأصفر ... على أحمر في أخضر أثر مبيض
كأذيال خود أقبلت في غلائل ... مصبغة والبعض أقصر من بعض2
ومن تشابيه سيف الدولة الغريبة أيضًا قوله:
أقبله على جزع ... كشرب الطائر الفزع
ومن التشابيه اللطيفة ما نسب إلى إبليس، فإن القاضي شمس الدين بن خلكان ذكر في تاريخه، عند ترجمة ابن دريد، أنه قال: سهرت ذات ليلة، فلما كان آخر الليل، غمضت عيني فرأيت رجلًا طويلًا أصفر اللون كوسجًا3 دخل عليَّ وأخذ بعضادتي4 الباب، فقال: أنشدني أحسن ما قلت في الخمر. فقلت: ما ترك أبو نواس لأحد دخولًا في هذا الباب. فقال: أنا أشعر منه. فقلت: ومن أنت؟ قال: أنا أبو ناجية5 من أهل الشام، وأنشدني:
وحمراء قبل المزج صفراء بعده ... أتت بين ثوبي نرجس وشقائق
حكت وجنة المعشوق صرفًا فسلطوا ... عليها مزاجًا فاكتست لون عاشق
ومن بليغ التشبيهات وبديعها، قول أبي محمد عبد الله بن قاضي ميلة، في قصيدته الفائية التي امتدح بها ثقة الدولة القضاعي، صاحب صقلية الروم، وسارت له به الركبان، وأثبتها القاضي شمس الدين بن خلكان بكمالها في تاريخه، وقد تقدم ذكر مطلعها في حسن الابتداء، والتشبيه الموعود بإيراده هنا قوله من القصيدة المذكورة: