الحاسة، إلى ما تقع عليه الحاسة، وقد عنَّ لي أن أوضح هنا للطالب، ما وقع من النظم البديع، من تشبيه المحسوس بالمحسوس، وتشبيه المعقول بالمعقول، وتشبيه المعقول بالمحسوس وتشبيه المحسوس بالمعقول. وهذا القسم الرابع، عند أصحاب المعاني والبيان، غير جائز، ويأتي الكلام عليه في موضعه. وقد تعين تقديم ما وعدت به أولا من تشبيه المحسوس بالمحسوس، فإن الذي تقع عليه الحاسة في التشبيه أوضح مما لا تقع عليه الحاسة، والشاهد أوضح من الغائب. وقال قدامة: أفضل التشبيه ما وقع بين شيئين اشتراكهما في الصفات أكثر من انفرادهما، حتى يدلي بهما إلى الاتحاد. انتهى.
ولم يخطر لي أن أورد هنا من التشبيهات البديعية، التي اخترتها أمثلة لهذا النوع، إلا ما خف على السمع وعذب في الذوق وارتاحت الأنفس إلى حسن صفاته، فإن التشابيه التي تقادم عهدها للعرب، رغب المولدون عنها فإنها، مع عقادة التركيب، لم تسفر عن بديع معنى، إلا ما قل وندر، فمن ذلك قول امرئ القيس:
وتعطو برخص غير شثنٍ كأنه ... أساريع ظبي أو مساويك أسحل1
فغاية امرئ القيس هنا، أنه شبه أنامل محبوبته بأساريع، وهي دواب تكون في الرمل ظهورها ملس، وبمساويك أسحل والأسحل شجر له أغصان ناعمة، أين هذا من قول الراضي بالله في هذا الباب:
قالوا الرحيل فأنشبت أظفارها ... في خدها وقد اعتلقن خضابا2
فكأنها بأنامل من فضة ... غرست بأرض بنفسج عنابا3
ومثله قول القائل:
قبلته فبكى وأعرض نافرًا ... يذري المدامع من كحيل أدعج4
فكأن سقط الدمع مع أجفانه ... لما بدا في خده المتضرج5
برد تساقط فوق ورد أحمر ... من نرجس فسقى رياض بنفسج