فالتفريق في الجميع فرقه ظاهر مثل الصبح، ولكن هذا النوع ما هو غاية في البديع، فما يحتمل إطلاق عنان القلم في الكلام عليه أكثر من ذلك، وبيت الشيخ صفي الدين الحلي، في بديعيته، يقول فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم:

فجود كفيه لم تقلع سحائبه ... عن العباد وجود السحب لم يدم

بيت الشيخ صفي الدين الحلي حسن، في هذا الباب، والتفريق فيه جمع المحاسن في مدح النبي صلى الله عليه وسلم. وبيت العميان في بديعيتهم:

لا يستوي الغيث مع كفيه نائل ذا ... ماء ونائله مال فلا تهم1

العميان، غفر الله لهم، مسخوا قول الشاعر:

ما نوال الغمام وقت الربيع ... كنوال الأمير يوم سخاء

فنوال الأمير بدرة مال ... ونوال الغمام قطرة ماء

والظاهر، أن نوال الغمام وقت الربيع محجب عن العميان، ولكن أين هم من موقع التفريق وعظم المباينة، بين بدرة المال وقطرة الماء، هذا مع ما تجشموه من مشاق التعقيد وثقل التركيب والجميع يخف على النفس بالنسبة إلى قولهم في القافية: فلا تهم.

نعم ما يحط هذه2 القافية هنا على هذه الصيغة من شم للأدب رائحة، وأين هم من تميكن قافية صفي الدين في قوله:

فجود كفيه لم تقلع سحائبه ... عن العباد وجود السحب لم يدم

وبيت الشيخ عز الدين الموصلي، في بديعيته، يقول فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم:

قالوا هو البحر والتفريق بينهما ... إذ ذاك غم وهذا فارج الغمم

بيت الشيخ عز الدين، في هذا الباب، عامر بالمحاسن وحشمة المديح النبوي مشرقة على أركانه، ونوع التفريق فيه أحلى من ليالي الوصال، فإنه مشتمل على تورية التسمية ونكتة النوع البديعي ولطف الانسجام والسهولة، وليس في بديعيته بيت يناظره في علو طباقه.

وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015