ذكر حسن التخلص:

ومن غدا قسمه التشبيب في غزل ... حسن التخلص بالمختار من قسمي

حسن التخلص: هو أن يستطرد الشاعر المتمكن، من معنى إلى معنى آخر يتعلق بممدوحه، بتخلص سهل يختلس اختلاسًا رشيقًا دقيق المعنى، بحيث لا يشعر السامع بالانتقال من المعنى الأول إلا وقد وقع في الثاني، لشدة الممازجة والالتئام والانسجام بينهما، حتى كأنهما أفرغا في قالب واحد. ولا يشترط أن يتعين المتخلص منه، بل يجري ذلك في أي معنى كان، فإن الشاعر قد يتخلص من نسيب أو غزل، أو فخر أو وصف روض أو وصف طلل بال أو ربع خال، أو معنى من المعاني يؤدي إلى مدح أو هجو أو وصف في حرب، أو غير ذلك، ولكن الأحسن أن يتخلص الشاعر من الغزل إلى المدح.

والفرق بين التخلص والاستطراد، أن الاستطراد يشترط فيه الرجوع إلى الكلام الأول، أو قطع الكلام، فيكون المستطرد به آخر كلامه، والأمران معدومان في التخلص، فإنه لا يرجع إلى الأول ولا يقطع الكلام، بل يستمر على ما يتخلص إليه.

وهذا النوع، أعني حسن التخلص، اعتنى به المتأخرون دون العرب ومن جرى مجراهم من المخضرمين، ولكنه لم يفتهم، فإنهم أوردوا لزهير في هذا الباب قوله:

إن البخيل ملوم حيث كان ... ولكن الكريم على علاته هرم1

انظر إلى هذا العربي القديم، كيف أحسن التخلص من غير اعتناء، في بيت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015