قابلتهم بالرضا والسلم منشرحا ... ولوا غضابًا فيا حربي لغيظهم
المقابلة أدخلها جماعة في المطابقة، وهو غير صحيح، فإن المقابلة أعم من المطابقة، وهي التنظير1 بين شيئين فأكثر، وبين ما يخالف وما يوافق، فبقولنا: وما يوافق، صارت المقابلة أعم من المطابقة، فإن التنظير بين ما يوافق ليس بمطابقة، وهذا مذهب زكي الدين بن أبي الأصبع، فإنه قال: صحة المقابلات عبارة عن توخي المتكلم بين الكلام على ما ينبغي، فإذا أتى بأشياء في صدر كلامه أتى بأضدادها في عجزه، على الترتيب، بحيث يقابل الأول بالأول، والثاني بالثاني لا يحرم من ذلك شيئًا، في المخالف والموافق، ومتى أخل بالترتيب كانت المقابلة فاسدة، وقد تكون المقابلة بغير الأضداد، والفرق بين المطابقة والمقابلة من وجهين: أحدهما، أن المطابقة لا تكون إلا بالجمع بين ضدين، والمقابلة تكون غالبا بجمع بين أربعة أضداد: ضدان في صدر الكلام، وضدان في عجزه، وتبلغ إلى الجمع بين عشرة أضداد: خمسة في الصدر وخمسة في العجز. والثاني أن المطابقة لا تكون إلا بالأضداد، والمقابلة بالأضداد وغير الأضداد، ولكن بالأضداد أعلا رتبة وأعظم موقعا. ومن معجزات هذا الباب قوله عز وجل: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} 2 فانظر إلى مجيء الليل والنهار في صدر الكلام، وهما ضدان، ثم قابلهما، في عجز الكلام، بضدين وهما السكون والحركة، على التريب، ثم عبر عن الحركة بلفظ الأرداف، فالتزم الكلام ضربًا من