علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه-: الدنيا من أمسى فيها على جناح أمن، أصبح فيها على قوادم خوف، فإن الاستعارة الأولى التي هي لفظ الجناح رشحت الثانية وهو لفظ القوادم، مع زيادة المطابقة بين الأمن والخوف، والصباح والمساء، وناهيك بالبلاغة الهاشمية، وباب المدينة1، وما أحلى قول بعض العرب فيها: جعلنا رماحنا أرشية الموت2، فاستقينا بها أرواح العدا ومثله قول الشاعر:

سلامة بن نجاح ... يجد حث الراح

إذا تغنى زمرنا ... عليه بالأقداح

ومثله لابن سكرة، وشتان بين قوله هنا وبين قوله في الكافات:

قيل ما أعددت للبر ... د فقد جاء بشده

قلت دراعة عري ... تحتها جبة رعده3

والذي ينشأ هنا قول القائل:

والشمس لا تشرب خير الندى ... في الروض إلا بكئوس الشقيق

ومثله قول ابن رشيق رحمه الله:

باكر إلى اللذات واركب لها ... سوابق اللهو ذوات المزاح

من قبل أن ترشف شمس الضحى ... ريق الغوادي من ثغور الأقاح

وما ألطف قول أبي زكريا المغربي، وقد ترجمه ذو الوزارتين لسان الدين بن الخطيب في تاريخه المسمى بـ"الإحاطة في تاريخ غرناطة"، وهو:

نام طفل النبت في حجر النعامى ... لاهتزاز الطل في مهد الخزامى

كحل الفجر لهم جفن الدجى ... وغدا في وجنة الصبح لثاما

تحسب البدر محيا ثملًا ... قد سقته راحة الصبح مدامًا

ويعجبني هنا قول ابن قلاقس:

وفي طمي أبراد النسيم خميلة ... بأعطافها نور المنى يتفتح4

طور بواسطة نورين ميديا © 2015