انظر ما أحلى استطراده، من وصف الخمر إلى وصف داره بالخراب، بألطف كناية.
والغريب في هذا الباب الاستطراد من الهجو إلى الهجو، وهو كقول جرير يهجو أم الفرزدق:
لها برص بأسفل اسكتيها ... كعنفقة الفرزقد حين شابا1
ومثله قوله:
وكأني أقرأ بحرف أبي عمرو ... على القوم سورة الأنعام
محنة تصفع ابن عمرو بن يحيى ... في دماغ الأعشى ينعل القطامي
ولقد أردت أن أستطرد هنا، إلى ذكر ما وقع لي وللمتأخرين من الاستطرادات الغريبة، فلم أجد أبدع من بيت البديعية، فاكتفين عند قضاة الأدب بحسن آدابه، فإنه أعدل شاهد في هذا الباب، وحبست عنان القلم عن الاستطراد في وصفه، علما أن في إنصاف علماء الأدب، إذا وقفوا عليه، ما يغني عن ذلك.
وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته:
كأن آناء ليلي في تطاولها ... تسويف كاذب آمالي بقربهم2
الذي يظهر لي أن الشيخ صفي الدين، عبر على الاستطراد، بتقديم أداة التشبيه في أول البيت، وقد تقدم قول صاحب الإيضاح: أن يقصد بذكر الأول التوصل إلى الثاني، وما خرج أحد من الاستطراد، بطريق التشبيه، إلا جعل أداة التشبيه مع المستطرد به، في آخر الكلام، كقول السري الرفاء:
لنا روضة بالدار صيغ لزهرها ... قلائد من حلي الندى وشنوف3
يمر بنا فيها إذا ما تبسمت ... نيسم كعقل الخالدي ضعيف