يا وانيا يَأسى على ما فاته ... إن الونى طرف من التضييع
ومداجيا تخذ الخديعة جُنة ... ألا أنفت لرأيك المخدوع
دافع بعزمك أبو بجهدك إنها ... عزمات حكم ليس بالمدفوع
وانظر بعينك أو بقلبك هل ترى ... إلا صريعا أو مثال صريع
أبني عبيد الله أين سراتكم ... من عاثر بعنانه المخلوع
دهر كأن صروفه قد جمعت ... من نثر منتظم وشتّ جميع
يهْنِ البقيع وليته لم يَهَنِهِ ... قبر غدا شرفا بكلّ بقيع
ومنها:
وإذا عجبت من الزمان بحادث ... فلتابع يبكي على متبوع
وإذا اعتبرت العمر فهو ظلامة ... والموت منها موضع التوقيع
وله في المعنى:
السوم حين لففت المجد في كفن ... نفسي الفداء على أن لات حين فدا
يا حسرة ملأت بين الضلوع جوى ... ما ضر لاعجها أن لا يكون ردى
في ذمة الله قبر ما مررت به ... إلا اختبلت أسى أن لم أمت كمدا
أودى الزمان وكيف اسطاعه بفتى ... قد طال ما راح في أتباعه وغدا
ملء القلوب جلالا والعيون سنا ... والحرب بأسا وأكناف النَّديّ ندى
من لا يقدم في غير العلى قدما ... ولا يمد لغير المكرمات يدا
كأنه كان ثأرا بات يطلبه ... حتّى رآه فلم يعدل به أحدا
يا يوم منعي عبيد الله أي جوي ... بين الجوانح يأبى أن يجيب نِدَا
وأي غرب مصاب لا يكفكفه ... دمعي الهتون ولا أنفاسي الصعدا
ولا البلابل من مثنى وواحدة ... باتت تسلّ سيوفا أو تسن مُدَى
ولا الهموم وقد أعيت طوارقها ... كأنّما بتن لي أو للدجى رصدا
قل للدجى وقد التفت غياهبها ... فلو تصوب فيها الماء ما اطردا
إن الشهاب الذي كنا نجوب به ... أجوازها قد خبا في الترب أو خمدا
لهفي ولهف المعالي جار بي وبها ... صرف الردى وأرانا أيَّةً قصدا
يا صاحبيَّ ولا يحبسكما ظمأ ... طال الحيام وهذي أدمعي فردا
وحدثاني عن العليا وقد رزئت ... مسنونها اللدن أو مصقولها الفردا
واه لها وترته ثم قد علمت ... أن لا تنال به عقلا ولا قودَا
هل نافع والأماني كلها خدع ... قولي له اليوم: لا تبْعُدْ وقد بعدا
وهل تذمم هذا الرزء من قلق ... قام المصاب به أضعاف ما قعدا
أما ويوم عبيد الله وهو أسى ... لقد تخير منا الموت وانتقدا
يا ماجدا أنجز العلياء موعده ... اليوم أنجز فيك الموت ما وعدا
إن الفؤاد الذي ما زلت تعمره ... قد ريع بعدك حتى صار مفْتَأدا
سل المنايا على علم وتجربة ... في أي شيء بغى الإنسان أو حسد
تنافس الناس في الدنيا وقد علموا ... أن سوف تقتلهم لذاتها بددا
تبادروها وقد آدتهم فشلا ... وكاثروها وقد أحصتهم عددا
قل للمحدث عن لقمان أو لُبَدٍ ... لم يترك الموت لقمانا ولا لُبَدَا
ولا الذي همّه البنيان يرفعه ... إن الردى لم يغادر في الشرى أسدا
ما لابن آدم لا تفنى مطالبه ... يرجو غدا وعسى أن لا يعيش غدا
وله يتغزل:
بحياة عصياني عليك عواذلي ... إن كانت القربات مما تنفع
هل تذكرين لياليا بتنا بها ... لا أنت باخلة ولا أنا أقنع
وله:
هو الهوى وقديما كنت أحذره ... والسقم مورده والموت مصدره
يا لوعة رجلا من نظرة أمل ... الآن أعرف رشدا كنت أنكره
جدّ من الشوق كان الهزل أوله ... أقل شيء إذا فكرت أكثره