وربّ فتى تراع الأسد منه ... يقنِّص قلبه الرشأ المروع

وقوله:

لهواك في قلبي كريقك في فمي ... غيري يقول: الحب مر المطعم

فأدر علي بمقلتيك كؤوسه ... حتى يدبّ خماره في أعظمي

إن التلذذ في هواك تلذذ ... لو كان أقتل من ذعاف الأرقم

أحبب بحب لا يثير ملامة ... ملئت بمؤلمه عيون اللوم

شغل النواظر والقلوب ولم يدع ... من لم يسمْه من الأنام بميسم

ومن العجائب شغل شيء واحد ... في الحال أمكنه ولم يتقسم

وأقام أزمنة وليس بجوهر ... وجرى وليس بمائع مجرى الدم

يا أيها القمر الذي إنسانه ... يرمي أناسا للعيون بأسهم

لم أبد حبك غير أنّ جوانحي ... فاضت به فيض الإناء المفعم

لا ذنب لي، علم الذي أسررته ... نظرا ولم أرمق ولم أتكلم

وأمرت بالشكوى إليك وإنما ... ينمي إلى الإنسان ما لم يعلم

ولربما لم تشكني فأماتني ... يأسي فذرني تحت أمر مبهم

وتلافني قبل التلاف فإنني ... من حمير وسيأخذونك في دمي

الطاعنين بكل أسمر داعس ... والضاربين بكلّ أبيض مخذم

والواردين الصادرين إذا الوغى ... لفحت بجمرتها وجوه الحوم

ولعلهم تسمو بهم هماتهم ... أن يدركوا في الظبي ثأر الضيغم

وزاره نفر من إخوانه فقال فيهم عند تلقيهم بإحسانه:

أهلا وسهلا بكم من سادة نجب ... كالذبل السمر أو كالأنجم الشهب

أجملتم وتفضلتم بزورتكم ... وليس ينكر فضل من ذوي الحسب

أضاء منزلنا من نور أوجهكم ... وطاب من عيشنا ما كان لم يطب

الأديب أبو جعفر الأعمى التطيلي

وصفه بالفهم الفائض، والذهن الدّرّاك لخفيات الغوامض، والبصيرة بأسرار المعاني بعين الإطلاع، والفكرة المستخرجة من معادن الفوائد فرائد الجواهر بيد الاضطلاع. إن فقد المرئيات لفقد ناظره، فقد أبصر مغيبات النكت بناظر خاطره، لم يفز حيا نجحه بالهطول، ولم تعز حياته بالطول، وقد أثبت له كل ما يعجب ويطرب، ويحظى به المستحلي له المستعذب. فمن ذلك قصيدة رثى بها بعض أعيان إشبيلية وقد اغتيل، ولم ير بعده إلا على عويله التعويل، فإنه كان له مفتقدا، وفي فضله معتقدا، وهي من سياراته التي بها الآفاق طنت، وارتاحت أسماع الرفاق إليها وحنت:

خذا حدّثاني عن فُلٍ وفلان ... لعلَّ يرى باق على الحدثان

وعن دول جسن الديار وأهلها ... فنين وصرف الدهر ليس بفان

وعن خرمي مصر الغداة أمُتِّعَا ... بشرخ شباب أم هما هَرِمَان

وعن مخلتي حلوان كيف تناءتا ... ولم تطويا كشحا على شنآن

وطال ثواء الفرقدي بغبطة ... أما علما أن سوف يفترقان

وزايل بين الشعريين تصرّف ... من الدهر لا وانٍ ولا متوان

وإن تذهب الشعرى العبور لشأنها ... فإن الغظُمَيْضا في بقية شان

وجنّ سهيل بالثرايا جنونه ... ولكن سلاه كيف يلتقيان

وهيهات من جور القضاء وعدله ... شآمية ألوت بدين يمان

فأجمع عنها آخر الدهر سلوة ... على طمع خلاّة للدبران

وأعلن صرف الدهر لابنَيْ نُويرة ... بيوم ثناء غال كلّ تداني

وكانا كندماني جذيمة حقبة ... من الدهر لو لم تنصرم لأوان

وهان دم بين الدّكادك واللِّوى ... وما كان في أمثالها بمهان

فضاعت دموع بات يبعثها أسىً ... يهيِّجه قبر بكلّ مكَان

ومال على عبس وذبيان ميلة ... فأودى بمجني عليه وجان

فعوجا على جفر الهباءة عوجة ... لضيعة أعلاق هناك ثماني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015