أدام الله يا وليي جلالك، وأبقى حليا في جيد الدهر خلالك، الغفار عند من ينر فيها، وقد بلغت غير مضيع تلافيها، ونرجو تمامها قبل الصلاة وإدراكها، وتصل مع رسولي وكأنما قد شراكها، وإن عاق عائق، فليس مع صحى الود مضائق، والعوض رائق لائق، وهو واصل، وأنت بقبوله مواصل، والسلام ما ذر شارق، وأومض بارق.
ومن شعره:
لك الخير ندي لهذا الودا ... ع عقل يهيم وعقل يراع
يعز علينا تنائي الديار ... وذاك سلامك لي والوداع
لكم أمل كان لي في اللقاء ... وأمنية قد طواها الزماع
فلم أجن منها سوى حسرة ... فوجد جميع وأنس شعاع
لئن حمل القلب ما لا يطاق ... فما كلف الجفن لا يستطاع
ذكر أنه صاحب وقار وسكون، وروضة أزهار وعيون، ودوحة أفنان وفنون، وبحر علم علت قيمة درره، وهطلت ديمة غرره، رواية شعر العرب ورجزها، والعارف بمطول المعاني وموجزها، وله في الطب يد حاذق، ومعرفة موفق موافق، وأورد من شعره قوله في صفة الربيع:
أبدت لنا الأيام زهرة طيبها ... وتسربلت بنضيرها وعشيبها
واهتزّ عطف الدهر بعد خشوعها ... وبدت بها النعماء بعد شحوبها
وتطلعت في عنفوان شبابها ... من بعد ما بلغت عتيَّ مشيبها
وقفت عليه السحب وقفة راحم ... فبكت لها بعيونها وقلوبها
فعجبت للأزهار كيف تضاحكت ... ببكائها وتباشرت بقطوبها
وتسربلت حللا تجر ذيولها ... من لَدْمها فيها وشق جيوبها
ولقد أجاد المزن في إنجادها ... وأجاد حر الشمس في تربيبها
ما أنصف الخيري يمنع طيبه ... لحضورها ويبيحه لمغيبها
وهي التي قامت عليه بدفئها ... وتعاهدته بدرها وحليبها
فكأنّه فرض عليه موقت ... ووجوبه متعلق بوجوبها
وعلى سماء الياسمين كواكب ... أبدت ذكاء العجز عن تغيبها
زهر توقد ليلها ونهارها ... وتفوت شأو خسوفها وغروبها
فضلت على سير النجوم بسيرها ... وسروِّها ف الخلفتين وطيبها
فتأرّجت أرجاؤها بهبوبها ... وتعانقت أزهارها بنكوبها
وتصوبت فيها فروع جداول ... تتصاعد الأبصار في تصويبها
تطفو وترسب في أصول ثمارها ... والحسن بين طفوّها ورسوبها
فكأنما هي موحشات أساود ... تنساب بين نقابها ولصوبها
فأدر كؤوس الأنس في حافاتها ... واجعل سديد القول في مشروبها
فحديث إخوان الصفاء لذاذة ... تجنى ويؤمن من حمالة حوبها
واركض إلى اللذات في ميدانها ... واسبق لسد ثغورها ودروبها
أعريت خيلك صيفها وخريفها ... وشتاءها هذا أوان ركوبها
أو ما ترى الأزهار ما من زهرة ... إلا وقد ركبت فقار قيبها
والطير قد خفقت على أفنانها ... تلقي فنون الشدو في أسلوبها
تشدو وتهتز الغصون كأنما ... حركاتها رقص على تطريبها
وله في فتح:
كذا تصان السيوف في الخلل ... ويفخر الحظ بالقنا الذيل
وتكرم الخيل في مرابطها ... بر الفتاة العَرُوب بالرجل
ويعطف النبع كالحواجب أو ... أحنى وتُمقى السهام كالمقل
ويؤثر النثرة الكمي إذا ... خير بين الدروع والحلل
فتح أنارت له البلاد كما ... أشرفت المقربات للنهل
هدّت له الروم هدة ملأت ... قلوب أبطالهم من الوجل
فما أطاقوا الولوج في نفق ... وما أطاقوا الصعود في جبل
ألقوا بأديهم فلا سبب ... يفرق بين القناة والبطل
فمجرءى الأسد في مرابضها ... كمجرئ الغانيات في الكلل
وربما لم تقم مناصلها ... مقام تلك اللواحظ النجل