وصرتُ إِذا ما الهوى مَرَّ بي ... يقولُ له خاطري مرحبا
وإِني لأَهْوى رشاً ساحراً ... أَعارَ فتورَ العيونِ الظِّبَا
إذا ما تَثَنَّى فغُصْنُ نَقَاً ... وبدرٌ جلا شَعْرَه غَيْهَبا
وزانتْ مُحيَّاهُ خيلانُهُ ... كما تيبعُ الكوكبُ الكوكبا
وبي أَسمَرٌ ناسَبَتْهُ القَنَا ... يرُوقُكَ خدًّا حَلا مُذْهَبا
سَقَى روضَ خَدَّيه ماءُ الشبابِ ... ففتَّحَ زهراً به مُعْجِبا
وخيلانُهُ خَيَّلَتْ عنبراً ... على صفحةِ التِّبْر قد حَبَّبا
تَقَلَّدَ من لحظه صارماً ... أَسالَ النفوسَ وما ذُنِّبا
وَمُلِّكَ من حُسْنِه دَولةً ... لطاعتها كلُّ قلبٍ صَبَا
وأورده ابن بشرون في المصريين وقال: ابن معبد الطرابلسي أنشدني لنفسه:
يا حاديَ الركْب رفقاً بالحبيب فقد ... طارَ الفؤادُ وقلَّ الصبرُ والجَلَدُ
لعلّ حِبِّي يرى ذُلِّي فيرحمني ... بنظرةٍ عَلَّها تشفي الذي أَجِدُ
يا ويحَ من ظَعَنَتْ أحْبابُه وَغَدَا ... مُخَلِّفاً بعدهم أكْبادَه تَقِدُ
قال: وأنشدني أيضاً لنفسه:
هواك لقلبي أَجلُّ المِلَلْ ... وإِنْ سِمْتَهُ غارِماً بالمَلَلْ
حَلَوْتَ فكنت كعصرِ الصِّبا ... فَجُدْ بالقَبُولِ وَطِيبِ القُبَلْ
فوجْهُكَ حُسْناً وَوَجْدِي به ... غدا ذا وذا في البرايا مَثَلْ
قال: وأنشدني أيضاً لنفسه:
تنامُ وعندي غُلَّةٌ وأَلِيلُ ... وَتَلْهو وَلبْسِي لَوْعَةٌ ونُحُولُ
وأَرْضَى بحملِ الذلِّ فيكَ وليسَ لي ... لديكَ إلى نَيْلِ الوِصالِ وُصُولُ
فوا أسفاً إن لم تَجُدْ لي بزورةٍ ... يقابلني منها رِضاً وقبولُ
شاعرٌ مجيدٌ، وله ديوان، ووجدت له في مجموع:
مُحْكَمَةٌ كاساتُنا هذه ... وَلَهْوُنَا أَسْبابُهُ مُحْكَمَهْ
فَمَهْ لحاكَ اللهُ من لائمٍ ... وكُنْ كمنْ سَدَّ بِصَمْتٍ فَمَهْ
تم التأليف الحاوي لشعراء مصر وأدباء العصر بمن الله تعالى بتاريخ العشرين من رجب من سنة اثنتين وأربعين وستمائة والحمد لله وصلى الله على محمد وآله وأصحابه.
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ أعنّ
الجزء الثاني من القسم الرابع
باب في ذكر محاسن فضلاء جزيرة صقلية
أبو الحسن
علي بن عبد الرحمان بن أبي البشر
الكاتب الصقلي الأنصاري
سمّاه أبو الصلت في رسالته من أهل العصر، وأثنى على بلاغته بعد ذكر أبيات لنفسه في وصف النيل كتبها الى الأفضل ليلة المهرجان وهي:
أبْدعتَ للناس منظراً عجبا ... لا زلتَ تُحيي السّرورَ والطّرَبا
جمعتَ بين الضّديْنِ مُقتدراً ... فمَنْ رأى الماء خالط اللهبا
كأنّما النّيلُ والشّموعُ به ... أفْقُ سماءٍ تألّقتْ شُهُبا
قد كان في فِضّةٍ فصيّرهُ ... توقُّدُ النارِ فوقَه ذهَبا
قال: وقد تعاور الشعراء وصف وقوع الشعاع على صفحات الماء. ومن مليح ما قيل فيه قول بعض أهل العصر، وهو أبو الحسن علي بن أبي البشر الكاتب:
شرِبْنا مع غُروب الشّمسِ شمسا ... مُشَعشَعةً الى وقتِ الطّلوعِ
وضوءُ الشمسِ فوقَ النّيل بادٍ ... كأطرافِ الأسنّة في الدّروعِ
ولأبي الصلت في المعنى:
بشاطئِ نهرٍ كأنّ الزّجاجَ ... وصفْوَ اللّجينِ به ذُوِّبا
إذا جمّشَتْه الصَّبا بالضُحى ... توهّمْتَه زرَداً مُذْهبا
ولابن خفاجة الأندلسي:
والرّيحُ تعبثُ بالغُصونِ وقد جرَى ... ذهبُ الأصيل على لجين الماءِ
وقرأت في مجموع شعر نظماً حراً، يفوق ياقوتاً ودراً، منسوباً الى أبي الحسن بن أبي البشر، مشتملاً من المعاني على الغرر، فمن ذلك قوله في راقصة: