قم هاتِها حمراءَ في كاسها ... كأنها شعلةُ مِقْبَاسِ
من كفِّ ظبيٍ غَنِجٍ لَحْظُهُ ... تصبو إليه أَعْيُنُ الناسِ
فواصلِ الشُّرْبَ ضُحىً أو مِساً ... دَأْباً فما بالشرب منْ باسِ
قال: أنشدت له في الغزل:
يا هذه رِقِّي على صَبٍ دَنِفْ ... صَيَّرَهُ الهجرُ إلى حدِّ التَّلَفْ
رِقِّي عليه وَصِلِي حِبَالَهُ ... فإِنَّهُ عن حُبِّكُمْ لا يَنْصَرِفْ
له:
يا حبيبَ القلوبِ عطفاً فإِني ... بهواكمْ على لظىً أَتَقَلَّى
إِنْ وَصَلْتُمْ وَصَلْتُمُ مستهاماً ... عن هواكمْ وحبِّكم ما تَخَلَّى
هُوَ عَبْدُ الهوَى وليس بباغٍ ... عِتْقَهُ في هوىً ولو ماتَ قَتْلا
سمعت أنه كان قريباً من الأفضل حسن المحضر، وأورد له ابن بشرون في كتابه:
وقال أناسٌ إنَّ في الحبِّ ذلَّةً ... تُنَقِّصُ من قدر الفتى وتُخَفِّضُ
فقلتُ صدقتمْ غيرَ أَنَّ أخا الهوى ... لذلِّ الهوى مُسْتَعْذِبٌ ليس يُبْغِضُ
له في النحول والغزل:
هواك كَسَا جسمي ثياباً من الضَّنَا ... فأصبحتُ فيها كالخيال لمبصري
فلولا كلامي ما تبيَّنَ موضعي ... لضعفٍ بَرَاني بَرْيَ نَبْعٍ مُكَسَّر
فَصِلْ أَوْ فَقَاطِعْ لستُ أَجفوك عندها ... ولو متُّ من شوقٍ وفرطِ تَذَكُّر
فأعذبُ ما أَلقى الهوَى وأَلَذُّهُ ... إذا جارَ محبوبي، وَقَلَّ تصبُّري
قال: مجاوباً لأبي الصلت أمية عن كتاب، يشتمل على لوم وعتاب:
أبا الصلتِ يا قُطْبَ المكارم والفضلِ ... وأَفْضَلَ من يُنْمَى إلى كَرَم الأَصْل
ومن حاز أسبابَ الرياساتِ بالعُلاَ ... وبالجودِ، والفعل الجميل، وبالنُّبْلِ
وأَصْبَحَ في كلّ العلوم مُبَرِّزاً ... يسابقُ فيها كلَّ مُجْرٍ على رِسْل
ويقول فيها:
ولستُ بمَنَّانٍ لدى السُّخْطِ والرّضَا ... بما أَنا مُسْدِيهِ من النائلِ الجَزْلِ
ولا حاملاً حقداً على ذي حَفيظةٍ ... ولو أَنَّ ما يأْتِيهِ في ضِمْنِهِ قَتْلي
ومنها:
ألا ارْجِعْ إِلى الفضلِ الذي أَنْتَ أَهْلُهُ ... وخذ بيدي عفواً وإن زلَّ بي نَعْلِي
وله
بين نَسْرِينٍ ولبلابٍ وآسِ ... سَبِّنِي الخمرَ بكاسٍ وبطاسِ
إِنَّ شُرْبَ الخمرِ للأحزانِ آسِ ... فاغْنَ بالعيش فثوب العيش كاس
وله
يا رسولَ الحبيب بالله قلْ لي ... أَرأَيْتَ الحبيب يُعْنَى بذِكْرِي
فلقد شَفَّني وأَسْهَرَ طَرْفِي ... منه هَجْرٌ أصابني منذ شَهْرِ
كيف لي بالبعادِ والجسمُ بالٍ ... وفؤادي مُقَلَّبٌ بين جَمْرِ
وله أيضاً في جواب أبي الصَّلْت من قصيدة:
قد أَتَتْنِي منه حديقةُ مدحٍ ... فاحَ من عَرْفِهَا فتيقُ الخزَامى
وقفَ السحر عندها ليس يدري ... أين يمضي يمانِياً أم شآما
له في الفخر بقول الشعر، وقد ختمه بالهجر، الذي هو أولى بالهجر:
وإنيَ في الشعرِ الذي أنا قائل ... كمثلِ امرىءِ القيسِ الذي هو يَشْعُرُ
فإن كنتَ في شكٍ من الأَمْرِ فابْلُنِي ... لِتُخْبَرَ مِنِّي بالذي ليس يُخْبَرُ
وإن أَنْتَ لم تقنعْ بذلك كلِّهِ ... فذقُنكَ في استِ الكلبِ والكلبُ أَبْتَرُ
ذكر له مجوناً فاحشاً، لوجه الأدب خادشاً، فلم أر له إثباتاً، وهو:
أراه يظاهرني جاهداً ... بغمزٍ ولًَمْزٍ مع الاجتنابِ
ولا ذنبَ غير ... له ... وتَمْعيك وجهته في الترابِ