السعيد أبو القاسم هبة الله بن الرشيد جعفر بن سناء الملك

وذكر القاضي الفاضل أن له شعراً حسناً وأنشد منه أبياتاً من قصيدة طويلة في وصف القلم، هي قوله:

لعادة كفٍ إِنْ أَلَمََّتء بجلمدٍ ... عدا مورقاً أو معشباً حلَّهُ الخصبُ

عجبتُ له أَنْ ظلَّ جاراً لسُحْبها ... وما فعلتْ فيه كما تفعل السحب

وأَحْسبهُ حيَّا الطروسَ بنَبْعه ... وأَصبحَ مسلوباً وأَثمرتِ الكُتْب

قال ابن كاسيبويه الكاتب، وكان حاضراً عند القاضي الفاضل: وله أبيات في القطائف المقلوة وهي قوله:

أَهلاً بشهرٍ غدا فيه لنا خَلَفٌ ... أكلُ القطائف عن شربِ ابنةِ العنب

من كل ملفوفةٍ بيضٍ إلى أُخَرٍ ... حُمْرٍ من القَلْي تَشْفِي جِنَّة السَّغَب

كأنهنَّ حُروزٌ ذاتُ أَغشيةٍ ... من فضةٍ وتعاويذٌ من الذهب

وله بيتان أنشدتهما:

الصمتُ سَمْتُ سلامةٍ ... طوبى لندبٍ يقتفيه

عرفَ المُنَكَّر للزما ... نِ فِدامَ فيه فَدَام فيه

وله في القطائف المقلوة:

وافى الصيامُ فوافتنا قطائفُهُ ... كما تَسَنَّمتِ الكُثْبانُ من كَثَبِ

والبيتان الآخران هما المذكوران.

وله في شمعة مذهبة:

كأنها من بناتِ الهند مُثْقَلَةٌ ... بالحَلْي تُجْلَى لكي تُهْدَى إِلى النار

ولما دخلت القاهرة في سنة اثنتين وسبعين اجتمعت به في دار السلطان ثم استنشدته شعره فأنشدني ما سبق ذكره من الأبيات وأنشدني لنفسه من قصيدة:

وذي هَيَفٍ إن راحَ للرَّاح ساقياً ... غدا سائقاً للصبِّ رَكْبَ حِمَامِهِ

يبيحُك إثماً من مُدار مُدامِهِ ... ويمنعُ لثماً من مُدارِ لثامهِ

فما بالُهُ في كفِّهِ عَدْلُ حُكْمِهِ ... وفي طرفه الفتان جورُ احتكامهِ

وكيف أضاءتْ أَنجمٌ من كؤوسهِ ... وقد أشرقتْ ما بينها شمس جامهِ

ومنها في الثغر:

وحقَّ له أنْ كان حُقَّ جواهرٍ ... إذا صِينَ من مسك اللَّمَى بختامه

وله:

وغادةٍ غرَّني بغُرَّتِها ... رُوَاءٌ حسنٍ يدعو لرؤيتها

أَودُّ من وصلها نسيمَ رضاً ... يُبْرِدُ عني هجيرَ هجرتها

شممتُ إذ شِمْتُ برقَ مبسمها ... أَطيبَ طيبٍ أمام ضَمَّتها

فقلتُ هذا دخان عنبرةٍ ... للخالِ تَصْلَآ بنار وجنتها

وله:

نَظَرَتْ بطَرْفِي في شَخْصَها فتشكَّكتْ ... إذ قلتُ إنّكِ في الحشا المتوهِّج

فحكى الذي في العَيْن ما في خاطري ... فأَرَيْتُها إِيَّاهُ في أُنمُوذَج

السعيد أبو القاسم

هبة الله بن الرشيد جعفر بن سناء الملك

كنت عند القاضي الفاضل في خيمته بمرج الدلهمية ثامن عشر ذي القعدة سنة سبعين، فأطلعني على قصيدة له كتبها إليه من مصر، وذكر أن سنه لم تبلغ إلى عشرين سنة، فأعجبت بنظمه. والقصيدة هذه نسختها من خطه:

فراقٌ قضى للهمِّ والقلبِ بالجَمْعِ ... وهَجْرٌ تولَّى صُلْحَ عيني مع الدمع

ووصلٌ سعى في قطْعه من أُحِبُّهُ ... ولا عجباً قد يهلك النجم بالقَطْعِ

ورَبْعٌ لذات الخال خالٍ وربما ... شُغِلْتُ بهمِّي من مُساءَلَةِ الرَّبْعِ

فسبحان ربي قد سَمَت هِمَّةُ النَّوَى ... وطالت إلى أن فَرَّقَت ساكني جمْعِ

وفي الحيِّ مَن صَيَّرْتثها نُصْبَ خاطري ... فما أَذِنَتْ في نازل الشوق بالرفع

من العربيّات المصونات بالذي ... أثارتْهُ خَيْلُ الغائرينَ من النَّقْعِ

وممن يرى أن الملالة مِلَّةٌ ... وتلك لعمرُ الله من طَبَع الطَّبْع

تتيه بفَرْعٍ منه أَصْلُ بليَّتي ... ولم أر أصْلاً قطُّ يُعْزَى إلى فَرْعِ

وتبسِم عما يُكْسَفُ الدُّرُّ عنده ... فكيف تَرَى من بعده حالة الظَّلْع

فكم تركَتْ في ذلك الحيّ ميتاً ... وكم حُمِلَت فيها الضلوعُ على ضلْع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015