ما أقبل الخادم وهو مخدوم الإقبال، بإقبال المولى الفاضل عليه لخلوص موالاته بخصوص موالاة الإفضال! وما أحرى العبد بمباهاة الأحرار وأبره بمضاهاة الأبرار!. لقد أربى بفواضل مولاه على أرباب الفضائل، وربا بفائد جدواه قدر المتضائل، ورفع حظوظه من حضيض الخمول والخمود، إلى يفاع الارتفاع بالسعود والصعود، وأوضع به إذ وضع له ميزان ميزاينةٍ في جدد الجدود. وما أشكره للمجلس العالي الصدري وقد صدره في مجالس العلاء كاتباً، ولمعاطس الأعداء كابتاً! وأقدره بمنائحه، وأعجزه عن مدائحه! فأصبح ناطقاً صامتاً قانطاً قانتاً، قائلاً ساكتاً. إن قال، فلأن حجة الحمد أنطقته، وإن استقال، فلأن لجة الرفد أغرقته وقد خاف الغرق من أمه السيل، وضاف الفرق من ضمه الليل فإن عجز بياناً، فلإعجازه بإيراء ذلك البيان؛ وإن أحرز رهاناًن فلإعزازه بالإجراء في هذا الميدان.

ووصلت الكتب، كأنها الشهب، يهديها شمس نهار الفضل إلى ساري ليل طلبه، ليهديه بنورها في غيهبه، ويقيمه بسناها على سنن مذهبه. وهي تسع مجلدات، بل تسع آياتٍ بينات، آتاه عبده كليم الفصاحة المتوحد باختراع الكلام الحر، وكريم السماحة المتفرد باختراع الإنعام البكر، وطرف الفصاحة المزين عمه بالحلم، وإلف الحماسة المبين عزمه بالحزم. وكيف يوصل بوسائط المركبات الأربع من العناصر إلى البسائط التسع! وهل يقطع إلى النجم الطارق الطريق الشاسع بطراق الشسع ولكنها صحف الفصح الأولين الأولين، وكرام الكتب الكرام الكاتبين، وخرائد فوائد لمحدثين المحدثين وأبكار أفكار المقدمين. بيد أن منزلتها من الألفاظ الفاضلية منزلة الكتب المنزلة من الذكر المبين. وكم بينها وبين الفرقان من فرقان، وما هي وإن جلت وجلت للقرآن بأقران. كذلك ما لغرائب المغربيين، وأحاديث المحدثين طلاوةٌ، ولا حلاوةٌ، ولا إطراءٌ ولا طراوةٌ، ولا رونق ولا رواء، ولا بهجة ولا بهاء، مع فيض شروق صنائعه البديعة، وومض بروق بدائعه الصنيعة. ومن ابن رشيقٍ عند رشق سهامه ومشقه أقلامه ولو امتد عمره إلى مدته، لعمد إلى إخفاء عمدته، وكان خاملاً في حاشيته، حاملاً لغاشيته. وإن أبا الصلت لو رأى راية رويه لأبى صلت صارم صرامته، غاضاً حدقة حديقته، عاضاً على إبهامه لما أبهم عليه من حقه وحقيقته. ودع ودع قياس القيسي يمرثه الطفل، وقلب القول القسي يغرثه الحفل، فقد قلى يد الإحسان، وفقد قلائد العقيان. هل ابن خيران إلا حيران في ميدان هذا البيان ولقد شخب وريد ابن أبي الشخباء ورد إلى خباء الاحتباء. ولو حيي ابن خفاجة لجاء حيياً إلى جهة الاختفاء. فهؤلاء الذين خص المولى عبده بخصائصهم، وأخلصه للاطلاع على علم مطالعهم ومخالصهم. وإن صاغت خواطرهم من إبريز التبريز تيجاناً مرصعةً مرجاناً، وصغت زواهرهم للمغارب بنواصع الدرر ولوامع الغرر شهبانا متجمعةً ووحدانا، وكانوا عيون الناس الأعيان، وأناسي عيون الزمان، متممين بحسن الخواتم حسن الفواتح، محكمين سود الصحائف في بيض الصفائح، فإنهم ناقصون إقصاراً لكماله، شاخصون إبصاراً لجماله، لم يكتحلوا بتراب قدمه، ولم يدخلوا من باب حرمه، وكل الصيد في جوف الفرا، ومن قال غير هذا قيل له أطرق كرا.

فهذه الكتب المهداة، والسحب المنشاة، فروعها المصنفة ستة أصنافٍ وأصلها كتابه الكريم، وأجزاؤها المؤلفة تسعة أصدافٍ وكلها دره اليتيم. تلك عشرةٌ كاملةٌ في المشايعة، أذعنت عونها لفضيلة بكرها كعشيرة الصحابة في المبايعة، أغضيت عيونها لفضل أبي بكرها، فهل كانت عدةً أتمها بعشرٍ لإكمالها، أو حسنةً جزاؤها بعشرة أمثالها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015