وماذا يحد المدح منه فإنما ... مناقِبُهُ جَلَّتْ عن الحدِّ والحَصْرِ

ولي في الملك الناصر بعد مملكته مصر قصائد موسومة على اسمه ونعته، فمن جملة الموسومات على اسمه قصيدة نظمتها في سنة خمس وستين أنفذتها إليه بمصر، وهي هذه:

يَرُوقُنِي في المَهَا مُهَفْهَفُهَا ... ومن قُدُودِ الحِسَانِ أَهْيَفُهَا

ومن عيونِ الظباء أَفْتَرُهَا ... ومن خُصورِ المِلاحِ أَنْحَفُهَا

ما سَقَمِي غَيْرُ سُقْمِ أَعْيُنِهَا ... ثُمَّ شِفائي الشفاهُ أَرشُفُهَا

يُسْكِرني قَرْقَفُ يُشَعْشِعُهَا ... لحظُ الطَّلاَ لا الطِّلا وقرقفها

يا ضَعْفَ قلبي من أَعْيُنٍ نُجُلٍ ... أَقْتَلُها بالقلوب أَضْعَفُهَا

ومن عِذَارٍ كأَنَّهُ حَلَقٌ ... أَحْكَمَ في سَرْدِهِ مُضَعِّفُهَا

ومن خدودٍ حُمْرٍ مُوَرَّدَةٍ ... أَدْوَمُهَا للحياءِ أَطْرَفُها

في سَلْبِ لُبِّي تَلَطَّفَتْ فأَتى ... نحوي بِخَطِّ الصِّبا مُلَطِّفُهَا

يا مُنكراً مِنْ هَوىً بُلِيتُ به ... علاقةً ما يكادُ يَعْرِفُها

دَعْ سِرَّ وجدي فما أَبوحُ به ... وخلِّ حالي فلستُ أكشفها

واصرف كؤوسَ الملام عن فِئَةٍ ... عن شرعةِ الحب لستَ تصرفها

مِنْ شَرَفِ الحب حلَّ في مُهَجٍ ... أَقْبَلُهَا للغرام أَشْرَفُهَا

لا يستطيِبُ السلوَّ مُغْرَمُهَا ... ولا يَلَذُّ الشفاءَ مُدْنَفُهَا

فالقلبُ في لوعةٍ أُعالِجُهَا ... والعينُ في عَبْرَةٍ أُكَفكِفُهَا

كأنَّ قلبي وَحُبَّ مَالِكُهُ ... مِصْرٌ وفيها المليكُ يُوسُفُهَا

هذا بسَلْبِ الفؤاد يظلمني ... وهو بقتل الأَعداء يُنْصِفُهَا

الملكُ الناصرُ الذي أَبَداً ... بعزِّ سلطانه يُشَرِّفُهَا

بعدله والصَّلاحِ يَعْمُرُهَا ... وبالندى والجميلِ يكنفُهَا

وِإنَّ مصراً بمُلْكِ يوسفِها ... جنةُ خُلْدٍ يَرُوقُ زُخْرُفُهَا

وإنَّهُ في السَّمَاح حَاتِمُهَا ... وإنَّهُ في الوقارِ أَحْنَفُهَا

كم آملٍ بالندى يُحَقِّقُهُ ... ومُنْيَةٍ بالنجاح يُسْعِفُهَا

وليس يُوليك وَعْدَ عَارِفَةٍ ... إلاَّ وعندَ النجازِ يُضْعِفُهَا

حَكَّمَ في مالهِ العفاةَ فما ... يَنْفُذُ فيه إلا تَصَرُّفُها

وإن شَمْلَ اللُّهَا يُفَرِّقُهُ ... لِمَكْرُمَاتٍ له يُؤَلِّفُها

ذو شرفٍ مكرماتُهُ سَرَفٌ ... ويستحقُّ الثناءَ مُسْرِفُها

وعزمةٍ بالهدى تَكَفَّلَهَا ... وهمةٍ للعُلَى تَكَلُّفُهَا

يوسفُ مصرَ التي مَلاحِمُها ... جاءَتْ بأَوْصافهِ تُعَرِّفُهَا

كُتْبُ التواريخِ لا يُزَيِّنُهَا ... إلاَّ بأَوْصَافِهِ مُصَنِّفُهَا

ومن يَمِيرُ العفاةَ في سَنَةٍ ... أَسْمَنُهَا للجدُوبِ أعْجَفُهَا

آياتُ دين الإلهِ ظاهرةٌ ... فيكَ ويُثنِي عليكَ مُصْحَفُهَا

ومنها أصف اجتهاده وجهاده للفرنج عند نزولهم على دمياط:

كم جحفلٍ بالعراءِ ذي لَجَبٍ ... بالصفِّ منه يضيق صَفْصَفُهَا

كالبحر طامِي العُبَابِ لاعبةٌ ... بموجه للرياح أَعْصَفُهَا

كتيبة مُنْتَضَىً مُهَنَّدُهَا ... إلى الردى مُشْرَعٌ مُثَقَّفُهَا

غَادَرْتَها للنسورِ مَأْكَلَةً ... حيث بأشلائها تُضَيِّفُهَا

منتصفاً من رءوسِ طاعنةٍ ... بباتراتِ الظُّبَا تُنَصِّفُهَا

وحُطْتَ دمياطَ إذ أَحاطَ بها ... مَنْ بِرُجُومِ البلاءِ يَقْذِفُهَا

لاقَتْ غواةُ الفرنج خَيْبَتَهَا ... فزادَ مِنْ حسرةٍ تَأَسُّفُها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015