قال الله تعالى: " أفلا ينظرون إلى الإبلِ كيف خُلقتْ وإلى السماءِ كيف رُفعتْ وإلى الجبال كيف نُصبت، وإلى الأرض كيفَ سُطحتْ ". فلو قال قائل: ما وجه النسبة بين الإبل والسماء والجبال والأرض والنسبة بينهن غير ظاهرة؟ فالجواب أن القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهراني العرب ونزل بلغاتهم، ومن المعلوم أن أجل أموال العرب وأعظما الإبل؛ فبدأ بذكر الإبل لاستمالة قلوبهم إذ مدحت عظائم أموالهم، ثم ذكر السماء إذ الإبل لا بلاغ لها إلا بالنبات، ولا يكون النبات في الغالب إلا بالمطر، والمطر لا ينزل إلى الأرض إلا من السماء؛ ثم ذكر الجبال لأن العرب وأهل البادية ليس لهم حصون ولا قلاع يتحصنون فيها من أعدائهم إذا راموهم، فكانت الجبال حصوناً لهم وقلاعاً، وبها لهم الماء والمرعى؛ ثم ذكر الأرض وتسطيحها لأن العرب في أكثر الدهر يرحلون وينزلون في الأراضي السهلة الوطيئة لإراحة الإبل التي هي سفن البر ومنها معاشهم وبلاغهم، وهذه حكمة إلهية، ومن بعض معاني هذه الآية الشريفة هذا الوجه وهو وجه حسن.
فأعظم جبال الدنيا قاف: وهو محيط بها كإحاطة بياض العين بسوادها، وما وراء جبل قاف فهو من حكم الآخرة لا من حكم الدنيا. وقال بعض المفسرين: إن الله سبحانه وتعالى خلق من وراء جبل قاف أرضاً بيضاء كالفضة الجلية، طولها مسيرة أربعين يوماً للشمس، وبها ملائكة شاخصون إلى العرش لا يعرف الملك منهم من إلى جانبه، من هيبة الله جل جلاله، ولا يعرفون ما آدم وما إبليس، وهكذا إلى يوم القيامة. وقيل: إن يوم القيامة تبدل أرضنا هذه بتلك الأرض. والله سبحانه وتعالى أعلم.