واجب الاتباع في ذاته، من غير نظر إلى مكانة الداعى بالنسبة للمشير، ولا إلى مقامه بالنسبة لمقامه، ولنتعلم أن هدى النبى صلى الله تعالى عليه وسلم أن نتبع حيثما كان وممن يكون، ولنجعل للمرأة الكريمة الطاهرة العاقلة مكانتها وحق التقدير والاعتبار.
516- عند قفول النبى صلى الله تعالى عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بعد صلح الحديبية نزلت سورة الفتح، فقد قال تعالى في ذلك:
إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ، وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً (الفتح- 1، 2) .
فسمى الله تعالى ذلك الصلح، وما وفق الله تعالى النبى عليه الصلاة والسلام للقيام، فتحا وليس دنية في الدين كما خطر على عقول بعض المتقين من كبار المؤمنين، وكان فتحا لأنه أنهى القتال بين النبى صلى الله تعالى عليه وسلم وبين قريش، وذلك في ذاته فتح، ولأنه فتح قلوبا كانت مغلقة وعقولا كانت عليها غشاوة حتى إنه أحصى عدد المؤمنين قبل الحديبية في مدى تسع عشرة سنة، ومن أسلم فى سنتين بعد الحديبية، فكان مثل الأوّل أو يزيد، لذلك كله كانت الحديبية فتحا، ولم تكن دنية، وفوق ذلك كانت تمهيدا لدخول مكة المكرمة بالفتح الأعظم الذى لم يجر فيه دم، ولم يكن قتال إلا فى بعض المتمردين، وكانوا قليلين، وكان فتحا، لأن المؤمنين استطاعوا تنفيذا لأحكام الصلح أن يدخلوا معتمرين، ثم متحللين محلقين ومقصرين.
وغفران ذنب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ليس على حقيقة معنى الغفران، إنما هو متضمن الرضا والقبول لكل ما يفعله الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، سواء أكان في الماضى أم الحاضر أو القابل، فكل ما يفعله الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم مغفور، وتسميته ذنبا من قبل المجاز، فهو ليس إلا خطأ لأن ما يعتب به عليه، خطأ كما أخطأ في الأسري، وكما كان يقع منه، ليكون أسوة للناس، فيقروا بأن الإنسان إذا خضع لفكره وعقله ربما يخطيء ولو كان نبيا مرسلا، ولو كان خاتم النبيين محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم، والصراط المستقيم الذى هداه الله تعالى هو طريق الدعوة فقد صار معبدا لا عوج فيه بعد هذا الفتح المبين، وإنه كان من الفتح المبين تضافر أهل الإيمان بالبيعة، فقد قال الله سبحانه وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، فَمَنْ