وإذا كانوا هم يؤذون فالنبى صلى الله تعالى عليه وسلم يسالم ويدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، لا يقطع، ولا يكف عن الدعوة، بل إنه يألم لألمهم، ويواسيهم فى أزماتهم.
حتى أنه نزل بأهل مكة المكرمة قحط، فدعا صلى الله تعالى عليه وسلم لهم بإنزال المطر، فنزل، ويظهر أن ذلك كان فى الفترة التى عاشها النبى عليه الصلاة والسلام بين أهل مكة المكرمة بعد وفاة أبى طالب إلى أن هاجر، ولذلك روى أن النبى صلى الله تعالى عليه وسلم بعد أن استجابت دعوته ود لو كان أبو طالب حيا رجاء إيمانه، ورجاء أن يعلم أن دينه أى محمد صلى الله عليه وسلم خير لقومه، ويروى أن هذا الاستسقاء كان ومحمد عليه الصلاة والسلام بالمدينة، فقال: لو أدرك أبو طالب هذا الاستسقاء ونصره (?) .
ولقد كان من المشركين من يعتريهم ما يفيد قبول ما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام أو على الأقل عدم المبادرة بتكذيبه والتريث فى ذلك، حتى ينظر أتعم دعوته، وتستجاب، أم تضعف وترد.
قال النضر بن الحارث: «يا معشر قريبش، إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاما حدثا- أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم فى صدغه الشيب وجاءكم بما جاءكم به، قلتم ساحر، والله ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم كاهن، والله ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم. وقلتم شاعر: لا والله ما هو بشاعر، لقد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلها، هزجه ورجزه، وقلتم مجنون وما هو بمجنون، فما هو بخنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه. يا معشر قريش، فانظروا فى شأنكم، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم» (?) .