الوحيد لتنمية فضائل الثبات والمثابرة التي بدونها لا يستطيع الانسان بلوغ الكمال الخلقي. فما لم تحدق بالمرء من أقطاره جميعا عقبات غامرة، وما لم يبتل بضروب الشدائد المبرّحة، فأنه لن يقوى على التخلّق بهاتين السجيّتين. ومن هنا، فأن البلايا التي تصيب أمثال هؤلاء الناس هي، في الواقع، نعم مقنّعة، مقصود بها أن تفضي إلى تهذيبهم الخلقي. وهناك، فوق هذا وذاك، هدف ثالث مراد. ذلك بأن الله الكلّي القدرة يريد ان يوقع في نفوس البشر ان النبتة التي تتعهدها اليد الالهية، مهما بدت هزيلة، قادرة على أن تصمد في وجه أشرس هبّات الريح المعادية. ووفقا لهذا الناموس الالهي، تعيّن على الرسول وصحابته ان يقاسوا على أيدي المكيين محنا لا تعدّ ولا تحصى.

في البدء، اتخذت معارضة المكيين لرسالة الاسلام شكل السخرية من الرسول والهزء به. إنهم لم يقيموا للحركة كبير وزن، متوهمين انها سوف تموت، في الوقت المناسب، ميتة طبيعية. لقد وقفوا منها موقف اللامبالاة والازدراء، وكأنها غير جديرة بأيّ اهتمام جدي. إنّ كل ما لقيه المؤمنون من إساآت المكيين، في تلك الايام، لم يعد السخرية المزدرية. كان اللجوء إلى العنف لا يزال، في اعتقادهم، أمرا لا ضرورة له. فكانوا إذا مرّوا بالمؤمنين ضحكوا وتغامزوا، هزؤا وسخرية. * وفي بعض الاحيان كانوا يزعمون أنه حالم متبطّل، نزّاع إلى نظم الشعر الركيك المضطرب، ولا بدان يهلك عما قريب. **

طور بواسطة نورين ميديا © 2015