الفضيلة لذاتها. والاخلاق السامية التي شكلت سمة جذابة من سمات شخصيته لم تكن شيئا مكتسبا؛ لا، لقد كانت مغروسة في صميم فطرته.

وكان ينزع إلى أداء مختلف الأعمال بيديه هو. فاذا ما أراد ان يتصدق على فقير، وضع الصدقة بيده في يد المتسول مباشرة. وكان يساعد أزواجه في النهوض بعبء واجباتهن المنزلية. كان يحلب شاءه، ويرفو ملابسه، ويرقع نعليه. ليس هذا فحسب، بل لقد كان يكنس بيته بنفسه، ويعقل ناقته ويعنى بأمرها بنفسه. إنه لم يكن ليجد غضاضة في أيما عمل يقوم به. لقد اشتغل مثل عامل عادي في بناء المسجد.

وكذلك يوم حفر الخندق لتحصين المدينة ضد غزو تهدّدها راح يعمل في الحفر مع سائر الجماعة. وكان يتسوّق حاجاته المنزلية لا لبيته فحسب، بل لجيرانه وأصدقائه أيضا. وباختصار، فأنه لم يزدر أيما عمل من الأعمال، مهما يكن حقيرا، بصرف النظر عن سمو مكانته كرسول وأمير. وهكذا اقام البرهان، من خلال المثل الذي كان يضربه بنفسه، على ان مهنة المرء، رفيعة كانت أو وضيعة، ليست هي المحك الذي تتقرر به مكانته الاجتماعية. إن استقامته ومعاملته للناس هما الخصلتان اللتان تقرران ما إذا كان نبيلا أو وضيعا. فمعبد الطرق والخطاب وماتح الماء أعضاء محترمون في المجتمع الاسلامي كالتاجر الكبير والموظف الخطير سواء بسواء.

كانت أعمال الرسول وحركاته كلها تتسم ببساطة ساذجة. فقد كان ينفر بطبعه من كل ما يشتمّ منه التصنّع والتكلف. فاذا ما امتطى متن دابة لم يجد حرجا في أن يردف شخصا آخر خلفه. روى قيس بن سعد [بن عبادة] ان الرسول وفد على أبيه سعد. وفي طريق عودتهما قرّب له سعد حماره لكي يركبه وأوصى ابنه، قيسا، بأن يرافقه سيرا على القدمين. بيد ان الرسول اصرّ على ان يشاركه قيس ظهر الحمار، وعلى ان يركب أمامه لأن للمالك حق التقدّم والأولوية. وكان يكره أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015