وكان هذا، في الواقع، ضربا من نبوءة تبشر باسلام شبه الجزيرة كلها، بحيث لا يبقى فيها مشرك حتى يحجّ البيت. ولقد انضوت الجزيرة برمّتها في السنة العاشرة، كما لاحظنا من قبل، تحت لواء الاسلام، وتوجّه الرسول بنفسه في تلك السنة إلى مكة ليؤدي فريضة الحج. يا له من مشهد مؤثّر! لقد احتشد مئة واربعة وعشرون ألف شخص من مختلف ارجاء بلاد العرب، ذلك الموسم، وليس فيهم مشرك فرد. إن الموطن نفسه الذي نبذ الرسول وأنكره، في مستهل بعثته، كان الآن مسرحا لتقديم أروع الولاء له. فحيثما سرّح طرفه رأى حشودا من الاصدقاء المتفانين في الاخلاص له. يا له مظهرا ملهما من مظاهر القوة الالهية! وإن في ميسور القارئ ان يتخيّل مدى تأثّر أولئك القوم كلهم بجلال الاله ورهبته.

وفيما لاحظ الرسول هذا البرهان الرائع على انتصار الحق النهائي أفهم من طرف خفي ان رسالته على الارض قد أدّيت. لقد كلّلت جهوده بالنجاح، كما لم يقدّر قط، ولن يقدّر ابدا، لجهود الانسان أن تنجح. وهكذا كان الأوان قد حان لانسحابه من هذه الحياة الأرضية بعد أن أنجز هدفها الرئيسي: فمن ناحية، كانت «بلاد العرب» كلها قد اعتنقت الاسلام، في حين كان الدين نفسه، من ناحية ثانية، قد بلغ اسمى غايات الكمال. وهبط الوحي الالهي لينبئ الرسول: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً.» * وهكذا لم يعد ثمة، منذ اليوم، أيما حاجة لظهور رسول جديد. فقد احاط القرآن الكريم بحاجات الانسان الدينية كلها. وخليق بهذا القرآن أن يكون هو وحده معين المعرفة الالهية الانسانية الذي ستنهل منه إلى يوم يبعثون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015