الرسول شرع عامر يحادثه، وفقا للخطة الموضوعة، ولكن أربد لم يجد في نفسه الشجاعة لاداء دوره في المؤامرة. وأخيرا، وبعد أن رأى عامر أن تلك الخطة لن تنجح، سأل الرسول أن يمنحه مقابلة شخصية، وكم كانت خيبته عظيمة عندما ضنّ الرسول عليه بذلك. وكان عامر زعيم قبيلة ذات بأس شديد. فلم يكد ينصرف من لدنه حتى هدد الرسول بقوله: «أما والله لأملانّها عليك خيلا ورجالا!» فاجتزأ محمد بأن سأل الله الحماية، قائلا: «اللهمّ اكفني عامر ابن الطّفيل!» ومن عجب ان عدو الاسلام هذا توفي بالطاعون في طريق عودته إلى بلده قبل أن يبلغ قومه. [وإنما أصابه الطاعون في عنقه وهو في بيت امرأة من بني سلول فقضى وهو يردّد: «يا بني عامر! أغدّة كغدّة البعير وموتة في بيت سلوليّة!» ]

وبكلمة موجزة، فقد انقضت فترة الحرب ودخل الناس في دين الله أفواجا؛ فلم تكد تنقضي سنتان حتى لم يبق في طول جزيرة العرب المترامية الأطراف غير دين واحد- الاسلام- وبعض الجاليات اليهودية والنصرانية الضئيلة المتناثرة ههنا وههناك. لقد تردّدت صيحة «الله أكبر» في كل رجا من أرجائها. يا لها من ظاهرة اعجوبية! لقد أتى على الرسول عهد طاف فيه بمختلف القبائل- وكان ذلك في أشهر الحج- يدعوها إلى الاسلام، ولكن أحدا منهم لم يصغ اليه. أما الآن، فها هي ذي القبائل نفسها تبعث اليه بوفودها وتعتبر انضواءها تحت راية الدين الجديد شرفا لها عظيما. فخلال سنتين اثنتين ليس غير انقضتا على انتهاء حالة الحرب وفّق الرسول لا إلى ضمّ بلاد العرب كلها إلى الحظيرة الاسلامية فحسب، بل وفّق في الوقت نفسه إلى إحداث تحوّل جبار في حياة الأمة العربية أزال جميع مفاسدها ورفعها إلى أسمى مراتب الروحانية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015