أيضا. ولكن موجة معارضة أخرى، ذات طبيعة غريبة سرعان ما انطلقت على نحو متميّز من الموجات السالفة، وكان أبطال هذه المعارضة الجديدة هم المنافقين، كما يعرفون في المصطلح الاسلامي. لقد كانوا هم اولئك الذين لم يؤانسوا في أنفسهم الجرأة على مقاومة المسلمين في وضح النهار. وهكذا اعتنقوا الاسلام وفي نيّتهم ان ينسفوه من داخل.

وكان زعيمهم المقدّم هو عبد الله بن أبيّ. وكان هذا الرجل يتمتع، قبل هجرة الرسول، بنفوذ وسلطان عظيمين في المدينة. وكان الناس يفكرون في تنصيبه ملكا عليهم. ولكن وجود الرسول كسف أنوار شخصيته، فتضاءل حتى اللاشيئية. لقد قاوم الاسلام، في بادئ الأمر، بعض المقاومة، ولكنه لم يكد يرى إلى نمو الاسلام السريع حتى بدا له ان النفاق خليق به أن يكون هو السياسة الفضلى. وهكذا لبس قناع الاسلام، ومنذ ذلك الحين حتى وفاته في السنة التاسعة للهجرة لم يأل جهدا في سبيل انزال الاذى بالاسلام. إن المرء يستطيع ان يأخذ حذره من العدو الصريح، أما الاعداء المقنّعون بقناع الصداقة فليس أخطر من التعامل معهم. إنهم يخدّرون المرء بشعور من الأمن والسلامة، من طريق مظهرهم الودّي، حتى إذا سنحت لهم الفرصة الملائمة ضربوا ضربتهم على حين غرّة. ثم إنهم يكونون في وضع يمكّنهم من النفاذ إلى سريرة المرء، وهو ما يزيد خطرهم خطرا.

إنهم يقيمون صلات سرية مع أعداء المرء، فيطلعونهم على جميع خططه وحركاته. وهكذا جوبه الاسلام بكل شكل يمكن ان يتصوره الانسان من أشكال المقاومة والمكيدة. ومن هنا كان انتصاره النهائي برهانا حسّيا على الحقيقة التي تقول بأن النبتة التي تتعهدها يد الله نفسه تثبت في وجه أقوى العواصف وأهوجها.

واتخذ حقد عبد الله بن أبيّ مظهرا واضحا يوم معركة أحد. فلم يكد يستقين من أن قريشا عقدت العزم على سحق المسلمين وجهزت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015