حتى إذا كانت السنة الخامسة للهجرة حشدوا جيشا عظيما يتراوح عدد رجاله، وفقا لمختلف التقديرات، ما بين عشرة آلاف جندي وأربعة وعشرين الف جندي. وحتى القبائل اليهودية المقيمة داخل أسوار المدينة خانت المسلمين وتعاونت، في آخر لحظة ممكنة، مع المغيرين. ومن ثم لم يكن للمسلمين، إذا نظرنا للمسألة بمنظار بشري صرف، غير أضأل الحظ في النجاة من هذا السيل الزاخر من المهاجمين.

وبلغ الرسول الكريم نبأ هذا الهجوم الوشيك المعدّ على نطاق لم يسبق إلى مثله من قبل. فسارع إلى دعوة أصحابه يشاورهم في الأمر ويتدارس معهم خير الطرق لمواجهة الموقف. فأشار سلمان الفارسي بتحصين المدينة من طريق حفر خندق عميق عريض يحيط بها من أقطارها جميعا. وكان للمدينة- من ناحية- حاجز طبيعي من الصخور الوعرة، وكان يصونها- من ناحية أخرى- جدران البيوت الحجرية المبنية على نحو مكتظّ، في استمرار غير منقطع، والتي كانت تؤلف في ذات نفسها خطا دفاعيا منيعا. وفي الحال بدئ بحفر الخندق في الناحية المعرّضة للهجوم. وقسم الرسول العمل بين جماعات من المسلمين، كل جماعة مؤلفة من عشرة رجال، وشارك هو نفسه في الحفر مثل عامل عاديّ.

إن التاريخ لم يدوّن لنا غير حادثة مفردة عن شخصية كان لها سلطان روحي وزمني أيضا على امة من الامم، ومع ذلك فقد عملت مثل عامل عاديّ، جنبا إلى جنب مع أتباعها، في ساعة الحرج الوطني العظيم.

إنه لمن سمات شخصية الرسول المميّزة أنه كان يضفي رواء على ايما شيء يشارك في صنعه. فحيثما وضعته أدى واجبه في كياسة عجيبة.

ولئن كان، من ناحية، أكثر الملوك رجولة، لقد كان- في الوقت نفسه- أكثر الرجال جلالا ملكيّا. وفيما هم يحفرون انتهوا إلى حجر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015