في بشر لدعوة الرسول حين كلّفهم ان يخرجوا ويطاردوا العدو، على الرغم من غمّهم وبلواهم. ولقد تعقبوا العدو، في اليوم التالي نفسه، حتى موضع يدعى «حمراء الأسد» ، على مسافة ثمانية أميال من المدينة.

ولكن أبا سفيان، الذي اعتبر الحصافة خير عناصر الشجاعة، نكص هو وجيشه على أعقابهم حالما بلغته أنباء المطاردة الاسلامية.

إنه لمما ينمّ عن جهل بالوقائع التاريخية أن يستنتج المرء ان المسلمين هزموا في معركة أحد. صحيح من غير ريب ان المسلمين منوا بخسائر باهظة، ولكن من الثابت- بالقدر نفسه- ان قريشا أكرهت على العودة خائبة، أيضا. وهل نقع في صفحات التاريخ على حادثة انتصار واحدة أثبت فيها العدوّ المغلوب أقدامه في الميدان وانقلب الجيش المنتصر عائدا إلى وطنه من غير أن يأسر أسيرا واحدا ... ووجد فيها العدوّ المهزوم الجرأة على مطاردة المنتصرين في غد، بعد بضع ساعات من المعركة ليس غير، على حين ولى المنتصرون الادبار لدن سماعهم نبأ المطاردة؟ ليس من شك في ان المسلمين اجتازوا في هذه المعركة بمحن قاسية. لقد جرح الرسول نفسه جراحات بليغة، بل لقد سرت شائعة تقول إنه قتل، وبذلك خيّل إلى القوم ان أمر الاسلام قد انتهى قولا واحدا. ولكن هذا كله كان واجب الحدوث في حياة الرسول لكي يكون منارة أمل وشجاعة للأجيال الاسلامية اللاحقة، خشية أن تقنط وتضعف في ساعات الضّنك وخيبة الرجاء. إن العدو قد يهلل ابتهاجا لما يتراءى في ناظريه قضاء على الاسلام، ولكن القلب المسلم يجب أن يظل ناعما بالطمأنينة. فالاسلام خالد لا يموت. وكل مصيبة تلمّ به، مهما تكن عظيمة، لا بدّ أن تحمل اليه انتصاره الحقيقي متنكرا بقناع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015