حماسة يخرجون للقاء سيدهم، مجتازين أميالا من الطريق المفضية إلى مكة. وأخيرا انقضت ساعات الارتقاب النافد الصبر، بما انطوت عليه من ملل وسأم، وأطلّ الزائر العظيم على أفق المدينة. وعلى مسافة ثلاثة أميال من البلدة يقع موطن يعرف بقباء، ويعتبر ضاحية المدينة.

هناك أقامت عدة أسر من الأنصار، كانت أسرة عمرو بن عوف أبرزها وأوجهها. وقبيل دخول الرسول المدينة، قبل دعوة عمرو هذا، فعرّج على قباء. وكان عدد من المهاجرين يقيمون هناك أيضا.

فتدفّق المسلمون من يثرب إلى قباء، زرافات زرافات، ليلقوا زعيمهم المبجّل. ومكث الرسول، ثمة، اربعة عشر يوما. ولحق به عليّ إلى ذلك الموطن أيضا. وهناك أسس الرسول أول مسجد في الاسلام، وقد عرف بمسجد قباء. وإلى هذا المسجد يشير القرآن الكريم بقوله، في السورة التاسعة «لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ.» * ولقد بناه الرسول وصحابته بأيديهم، فكانوا يشتغلون كلهم في بنائه وكأنهم عمال عاديون. وبعد ذلك دخل الرسول إلى المدينة، التي رفلت جميع أحيائها بحلّة التهلّل والابتهاج. وانطلق القوم لتحيته، وقد ارتدوا أبهى ملابسهم. وصعدت النسوة إلى سطوح منازلهن، وغنّين بصوت واحد ترحيبا بالزائر النبيل. كان كل امرئ راغبا في ان يقيم الرسول في بيته هو. ولكن الرسول ألقى لناقته خطامها، تاركا إياها تمضي على هواها، وقال للحشود المتلهفة المتحلقة من حوله، إنه سوف ينزل حيث تبرك تلك الناقة. ومضت الناقة في سبيلها حتى وصلت إلى مربد** قبالة بيت أبي أيوب [خالد بن زيد الأنصاري] وثمة بركت. وكان المربد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015