رأسه وتذرف الدمع، في الوقت نفسه، جزعا على أبيها الحبيب من هذا البلاء. فواساها الرسول قائلا: «لا تبكي يا بنيّة، فأن الله مانع أباك!» إلى هذا الحد كان ايمانه بنجاح رسالته النهائي راسخ الجذور، في وجه هذه المعارضة العنيدة! ولم تراوده في أيما لحظة فكرة الشخوص، مثل سائر صحابته، إلى الحبشة حيث كان خليقا به ان يجد مفزعا آمنا. ولم يخامره اليأس، لحظة واحدة، من اخراج الارض التي ولد عليها من الظلمات إلى النور. فقد كان على مثل اليقين من ان الجزيرة سوف تدرك، ذات يوم، حقيقة الاسلام، إن عينه استطاعت، برغم ما اكتنفه من ضباب الاحداث الموئسة، أن تلمح شعاع أمل. كان الايمان بأن أعداءه الألداء سوف يصبحون، ذات يوم، أصدقاءه المتفانين، عميق الجذور في فؤاده. بيد أن قسوة قلوب المكيين اكرهته على الالتفات نحو الطائف، حيث رجا أن يعيره القوم أذنا واعية. فمضى إلى هناك، يصحبه زيد، واتصل بثلاثة من أشراف [ثقيف] ، وكانوا أخوة، [وهم عبد يا ليل، ومسعود، وحبيب، أبناء عمرو بن عمير] ، [ودعاهم إلى الله] ، ولكن الاخوة الثلاثة أعاروه، ويا لخيبته المريرة، أذنا صماء. ولبث ثمة نحوا من عشرة أيام بلّغ خلالها رسالته أناسا كثيرين، ولكنهم ردّوه- واحدا بعد آخر-[ردّا قبيحا] . لقد سخروا منه، في كل مكان، قائلين ان عليه، إذا كان صادقا في دعواه، أن يقنع عشيرته الأقربين أولا. وأخيرا سألوه أن يفارقهم، حتى إذا غادر البلدة أغروا به سفهاءهم فتبعوه ساخرين صائحين. لقد اصطفّوا على الطريق من جانبيها حتى مسافة بعيدة، ورشقوه بالحصى على رجليه. وحين سال الدم منه وعجز عن مواصلة السير، حاول أن يجلس فأقبل عليه أحد السفهاء فرفعه من يده وصاح به: «تابع سيرك، فليس لك حق في الاستراحة هنا.» وظل على هذه الحال، حتى اجتاز ثلاثة أميال كاملة، وأمطر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015