وكانت هذه أول مرة اصطنع فيها المسلمون «سجدة التلاوة» خلال تلاوة القرآن الكريم، تلك السجدة الشائعة اليوم بين المسلمين. ففيما كان الرسول يتلو هذه السورة سجد حالما انتهى إلى الآية التي تقول:

« «فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا» * وتذهب بعض الروآيات الموثوقة إلى ان وثنيي المكيين الذين شهدوا مجلس النبي ذلك اليوم شاركوا في السجود.

ذلك بأنهم آمنوا بالله برغم عبادتهم الاوثان.

ولكن خصوم الاسلام عمدوا إلى روآية هذه الحادثة على نحو مشوّة.

لقد زعموا ان الرسول- وقد بدا له أن من المستحسن ان يصل إلى تسوية مع الوثنيين- قد استرضى في هذه السورة عبدة الاوثان، وهذا هو السبب الذي من أجله سجد الوثنيون في مجلس الرسول. ولكن الروآية التي بني عليها هذا الزعم متهافتة كل التهافت. وليس ثمة أيما روآية أخرى موثوقة عن هذه الحادثة غير الروآية التي أشرنا اليها في الفقرة السابقة. ومجرد عودة المهاجرين من الحبشة لا يظهر ان الرسول كان قد توصل مع المكيين إلى تسوية. وجائز، من ناحية ثانية، ان يكون نبأ سجود الكفار قد أوقع في نفوس القوم أنهم أسلموا، حتى إذا ما تسامع المهاجرون إلى الحبشة بالنبأ عاد بعضهم إلى أرض الوطن. ولكن الواقع ان المهاجرين القلائل الذين عادوا إلى مكة إنما فعلوا ذلك لكي يحدّثوا سائر اخوانهم حديث الأمن والحرية اللذين تمتعوا بهما في ظل النجاشي، ولكي يقنعوهم بسبب من ذلك بمرافقتهم إلى هناك، وذلك ما حدث فعلا في الهجرة الثانية إلى الحبشة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015