2- المستشرقون والحضارة الإسلامية

إيرفنج والجبرية الإسلامية

واشنجتون إيرفنج من أعلام الكتاب الذين فاخرت بهم الولايات المتحدة الأمريكية غيرها من الأمم في القرن التاسع عشر المسيحي. وقد كتب سيرة النبي العربي في كتاب عرض فيه هذه السيرة عرضا فيه قوّة بيانية تملك قارئه في كثير من أجزائه، وفيه إلى جانب هذه القوة إنصاف أحيانا وتحامل أحيانا أخرى. وقد وضع للكتاب خاتمة عرض فيها لقواعد الإسلام وما حسبه المصادر التاريخية التي استندت إليها هذه القواعد، وفي مقدمتها الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. ثم قال: «القاعدة السادسة والأخيرة من قواعد العقيدة الإسلامية هي الجبرية. وقد أقام محمد جلّ اعتماده على هذه القاعدة لنجاح شئونه الحربية. فقد قرر أن كل حادث يقع في الحياة قد سبق في علم الله تقديره، فكتب في لوح الخلد قبل أن يبرأ الله العالم، وأنّ مصير كل إنسان وساعة أجله قد عيّنت تعيينا لا مردّ له، فلا يمكن أن تتقدّم أو أن تتأخر بأيّ مجهود من مجهودات الحكمة الإنسانية أو بعد النظر. بهذا الاقتناع كان المسلمون يخوضون غمار المعارك دون أن ينال منهم الخوف.

فما دام الموت في هذه المعارك هو عدل الاستشهاد الذي يسرع بصاحبه إلى الجنة فقد كانت لهم الثقة بالفوز في حالي الاستشهاد أو الانتصار.

«هذا المذهب الذي يقرر أن الناس غير قادرين بإرادتهم الحرّة على اجتناب الخطيئة أو النجاة من العقاب، يعتبره بعض المسلمين منافيا لعدل الله ورحمته. وقد تكوّنت عدّة فرق جاهدت وما تزال تجاهد لتهوين هذا المذهب المحيّر وإيضاحه. لكن عدد هؤلاء المتشككة قليل. وهم لا يعتبرون من أهل السّنة.

«وقد ألهم محمد مذهب الجبرية من وحي الساعة، فكان ذلك إلهاما معجزا لحدوثه في أنسب أوقاته.

فقد حدث توّا بعد غزوة أحد المنكودة التي ذهبت فيها أرواح عدد غير قليل من أنصاره، ومن بينهم عمه حمزة.

عندئذ، وفي ساعة وجوم وهلع تحطّمت أثناءها قلوب أصحابه المحيطين به، أصدر هذا القانون ينبئهم أن لا مفر لإنسان من أن يتوفّى في ساعة أجله، في فراشه كان أو في ساحة الوغى.

«أية عقيدة يمكن أن يصورها صاحبها أدق من هذا التصوير ليدفع بها للغزو وطائفة من الجنود الجهلاء الأغرار دفعا وحشيّا؛ إذ يقنعهم عن يقين بالفيء لمن يبقى، والجنة لمن يموت!. ولقد جعلت هذه العقيدة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015