اختلاف المسلمين هل مات محمد- عمر يخطب الناس بانه لم يمت- أبو بكر يعود فيخطبهم بانه مات ويتلو عليهم القرآن- اقتناع المسلمين بقول أبي بكر- خوف الاختلاف فيمن يقوم بامر المسلمين- بيعة السقيفة، ثم البيعة العامة لأبي بكر- تجهيز النبي وغسله- مرور الناس به رجالا فنساء فصبيانا- دفنه حيث قبض- إنفاذ جيش أسامة إلى الشام وانتصاره- آخر ما قال الرسول صلى الله عليه وسلّم
اختار النبيّ عليه السلام الرفيق الأعلى في بيت عائشة ورأسه في حجرها، فوضعت رأسه على وسادة وقامت تلتدم وتضرب وجهها مع النساء اللاتي اسرعن اليها لأوّل ما بلغهن الخبر.
وفوجئ المسلمون بالمسجد بهذه الضجة؛ لأنهم رأوا النبيّ في الصباح وكل شيء يدلّ على أنه عوفي، مما جعل أبا بكر يذهب إلى زوجه بنت خارجة بالسنح. لذلك أسرع عمر إلى حيث كان جثمان النبيّ وهو لا يصدّق أنه مات. ذهب فكشف عن وجهه فألفاه لا حراك به: فحسبه في غيبوبة لا بدّ أن يفيق منها. وعبثا حاول المغيرة إقناعه بالحقيقة الأليمة؛ فقد ظلّ مؤمنا بأن محمدا لم يمت فلما ألحّ المغيرة قال له: كذبت. وخرج معه إلى المسجد وهو يصيح «إن رجالا من المنافقين يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم توفي؛ وإنه والله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران؛ فقد غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم بعد أن قيل: قد مات. والله ليرجعنّ رسول الله كما رجع موسى، فليقطعنّ أيدي رجال وأرجلهم زعموا أنه مات» . واستمع المسلمون بالمسجد إلى هذه الصيحات من جانب عمر يرسل الواحدة تلو الآخرى وهم في حال أشبه شيء بالذهول، ألا إن كان محمد قد مات حقّا فواحر قلباه؟ وياللهمّ الناصب لأولئك الذين رأوه وسمعوا له، وآمنوا بالله الذي بعثه بالهدى ودين الحق، همّ يذهل القلب ويذهب باللبّ. وإن كان محمد قد ذهب إلى ربه، كما يقول عمر، فذلك أدعى للذهول؛ وانتظار أوبته حتى يرجع كما رجع موسى أشدّ إمعانا في العجب.
لذلك أحاطت جموعهم بعمر وهم أدنى إلى تصديقه وإلى الإيمان بأن رسول الله لم يمت. وكيف يموت وقد كان معهم منذ ساعات يرونه ويسمعون إلى صوته الجهوري وإلى دعائه واستغفاره!. وكيف يموت وهو خليل الله الذي اصطفى لتبليغ رسالته، وقد دانت له العرب كلها، وبقي أن يدين له كسرى وأن يدين له هرقل بالإسلام!. وكيف يموت وهو هذه القوة التي هزّت العالم مدى عشرين سنة متوالية، وأحدثت فيه أعنف ثورة