وقضى عليه وهو في بيت امرأة من بني سلول؛ قضى عليه وهو يردّد: «يا بني عامر! أغدّة كغدّة البعير وموتة في بيت سلوليّة!» . أمّا أربد بن قيس فقد أبى أن يسلم وعاد إلى بني عامر ولم يطل به المقام بل أحرقته صاعقة حين خرج على جمل له يبيعه. ولم يمنع إباء عامر وأربد قومهما من أن يسلموا. ومن هؤلاء بل هو شرّ منهم مكانا مسيلمة بن حبيب؛ فقد جاء في وفد بني حنيفة من أهل اليمامة وخلّفه القوم على رحاهم وذهبوا إلى رسول الله فأسلموا وأعطاهم النبيّ، فذكروا له مسيلمة، فأمر له بمثل ما أمر للقوم، وقال: أما إنه ليس بشرّكم مكانا؛ وذلك لحفظه رحال أصحابه. فلمّا سمع مسيلمة قولهم ادّعى النبوة، وزعم أن الله أشركهن مع محمد في الرسالة، وجعل يسجع لقومه ويقول لهم فيما يقول محاولا مضاهاة القرآن: «لقد أنعم الله على الحبلى. أخرج منها نسمة تسعى. من بين صفاق وحشا» : وأحلّ مسيلمة الخمر والزنا، ووضع عن قومه الصلاة، وانطلق يدعو الناس إلى تصديقه. فأمّا من عدا هؤلاء من العرب فأقبلوا يدخلون في دين الله أفواجا من أطراف شبه الجزيرة، وعلى رأسهم رجال من أعزّ الرجال من أمثال عديّ بن حاتم وعمر بن معدي كرب. وبعث ملوك حمير رسولا بكتاب منهم إلى النبي يعلنون فيه إسلامهم فأقرّهم عليه وكتب إليهم بما لهم وما عليهم في شرع الله. فلما انتشر الإسلام في جنوب شبه الجزيرة، بعث محمد من السابقين إلى الإسلام من يفقههم في دينهم ويثّبتهم فيه.
لم نطل الوقوف عند وفود العرب إلى النبي كما فعل بعض الأقدمين من كتّاب السيرة، لتشابه أمرهم في الانضواء تحت راية الإسلام. ولقد أفرد ابن سعد في طبقاته الكبرى لوفادات العرب على الرسول خمسين صفحة كبيرة، نكتفي بأن نذكر منها أسماء القبائل والبطون التي أوفدتها. فقد جاءت وفود من: مزينة، وأسد، وتميم، وعبس، وفزارة، ومرّة، وثعلبة، ومحارب، وسعد بن بكر، وكلاب، ورؤاس بن كلاب.
وعقيل بن كعب، وجعدة، وقشير بن كعب، وبني البكّاء، وكنانة، وأشجع، وباهلة، وسليم، وهلال بن عامر، وعامر بن صعصعة، وثقيف. وجاءت وفود ربيعة من: عبد القيس، وبكر بن وائل، وتغلب، وحنيفة، وشيبان. وجاء من اليمن وفد من طيئ، وتجيب، وخولان، وجعفيّ، وصداء، ومراد، وزبيد، وكنده، والصّدف، وخشين، وسعد هذيم، وبليّ، وبهراء، وعدرة؛ وسلامان، وجهينة، وكلب، وجرم، والأزد، وغسّان، والحارث بن كعب، وهمدان، وسعد العشيرة، وعنس، والداريين، والرّهاويين (حي من مذجح) ، وغامد، والنّخع، وبجيلة، وخثعم، والأشعرين، وحضرموت، وأزد عمان، وغافق، وبارق، ودوس، وثمالة، والحدان، وأسلم، وجذام، ومهرة، وحمير، ونجران، وجيشان. وكذلك لم يبق في شبه الجزيرة بطن أو قبيلة حتى أسلم إلا من قدمنا.
وكان ذلك شأن المشركين من أهل شبه الجزيرة؛ سارعوا إلى الدخول في الإسلام، وتركوا عبادة الأوثان. وتطهرت بلاد العرب جميعا من الأصنام وعبادتهم وتم ذلك كله بعد تبوك طواعية واختيارا، من غير أن تزهق نفس أو يهرق دم. فماذا صنع اليهود والنصارى مع محمد، وماذا صنع محمد معهم؟