رسول الله: وما يدريك يا عمر لعل الله قد اطّلع إلى أصحاب بدر يوم بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. وكان حاطب من أصحاب بدر. وإذ ذاك نزل قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) (?) .

مسيرة جيش المسلمين

وتحرّك جيش المسلمين من المدينة قاصدا مكة ليفتحها، وليضع يده على البيت الحرام الذي جعله الله مثابة للناس وأمنا. تحرّك هذا الجيش في عدد لا عهد للمدينة به؛ فقد بعثت القبائل، من سليم ومزينة وغطفان وغيرها من انضم إلى المهاجرين والأنصار وسار معهم في يلب (?) الحديد يسيلون في فسيح الصحراء، حتى كانوا إذا ضربوا خيامهم اكتست بها رمال البيداء فما يكاد يبدو منها للناظر شيء. تحركوا وأغذّ هؤلاء الألوف سيرهم، وصاروا كلما نقدموا فيه انضم إليهم من سائر القبائل من زاد عددهم وزاد منعتهم، وكلهم ممتلئ النفس بالإيمان أن لا غالب لهم من دون الله. وسار محمد على رأسهم وأكبر همه وكل تفكيره أن يدخل البيت الحرام من غير أن يهرق قطرة دم واحدة. وبلغ الجيش مرّ الظّهران (?) وقد كملت عدّته عشرة آلاف لم يصل إلى قريش من أمرهم خبر، فهي في جدل مستمر ماذا تصنع لاتقاء عدوة محمد عليها.

خروج بني هاشم إلى النبي وإسلامهم

أما العباس بن عبد المطلب عم النبي فقد تركهم في جدلهم وخرج مع أهله حتى لقي محمدا بالجحفة (?) .

ولعل طائفة من بني هاشم كانت بنبأ أو شبه نبأ من خروج النبيّ، فأرادت أن تلحق به دون أن يصيبها أذى.

فقد خرج سوى العباس أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بن عم النبيّ، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عمّته، حتى اتصلا بجيش المسلمين بنيق العقاب، واستأذنا على النبيّ، فرفض أن يأذن لهما، وقال لزوجه أمّ سلمة حين كلمته في أمرهما: لا حاجة لي بهما. أما ابن عمي فقد أصابني منه سوء. وأما ابن عمتي وصهري فقد قال بمكة ما قال. وبلغ أبا سفيان هذا الكلام فقال: والله ليؤذننّ لي أو لآخذن بيد بنيّ هذا ثم لنذهبنّ في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا. فرقّ محمد، ثم أذن لهما فدخلا عليه فأسلما.

ورأى العبّاس بن عبد المطلب من جيوش ابن أخيه ومن قوتّه ما راعه وأزعجه. وهو إن كان أسلم فإن ذلك لم يخل قلبه من خشية ما يحل بمكة إذا دهمها هذا الجيش الذي لا قبل لقوّة في بلاد العرب به. أو ليس قد ترك مكة منذ حين، وله بها من الأهل والخلّان والأصدقاء من لم يقطع الإسلام الذي دان به من وشائجهم! ولعله أفضى بمخاوفه هذه إلى الرسول وسأله؛ ماذا يصنع إذا ما طلبت قريش أمانه؟ ولعل ابن أخيه سرّ بمفاتحة العبّاس إياه في هذا، ورجا أن يتّخذ منهن سفيرا يلقي في قلوب القوم من قريش الرعب فيدخل مكة من غير أن يسفك دما، وتظلّ مكة حراما كما كانت وكما يجب أن تكون. وجلس العباس على بغلة النبيّ البيضاء وخرج عليها حتى جاء ناحية الأراك، لعله يجد حطّابا أو صاحب لبن أو أي إنسان ذاهبا إلى مكة، يحمله إلى أهلها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015