أثر موقعة مؤتة- نقض قريش عهد الحديبية- استعداء خزاعة النبي على قريش- سفارة أبي سفيان إلى النبي وإخفاقها- تجهيز المسلمين عشرة آلاف يسيرون إلى مكة- رجاء محمد أن يفتح أم القرى من غير إراقة الدماء- خروج العباس ومقابلته لأبي سفيان وأخذه إلى النبي بظاهر مكة- دخول المسلمين فاتحين- المكيون الذين تحرشوا بجيش خالد بن الوليد- عفو محمد عن خصومه جميعا- تطهير الكعبة من الأصنام- إسلام أهل مكة.
عاد جيش المسلمين بعد موقعة مؤتة ولواؤهم لخالد بن الوليد. عادوا لا منتصرين ولا منكسرين ولكن راضين من الغنيمة بالإياب. وقد ترك إنسحابهم بعد موت زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة، أثرا مختلفا أشدّ الاختلاف عند الروم وعند المسلمين المقيمين بالمدينة وعند قريش بمكة- أمّا الروم ففرحوا بانسحاب المسلمين وحمدوا ربهم أن لم يطل القتال بهم، مع أن جيش الروم كان مائة ألف على قول ومائتي ألف على قول آخر، في حين كانت عدّة المسلمين ثلاثة آلاف. وسواء أكان فرح الروم راجعا إلى ما أبدى خالد بن الوليد من الاستماتة في الدفاع والقوة في الهجوم حتى لقد تحطّمت في يده تسعة أسياف وهو يحارب بعد موت أصحابه الثلاثة، أم كان راجعا إلى مهارته في توزيع الجيش في اليوم الثاني وإحداث ما حدث من الجلبة حتى ظنّ الروم أن مددا جاءه من المدينة، فإن القبائل العربية المتاخمة للشام نظرت إلى فعال المسلمين بإعجاب أشد الإعجاب. وكان من ذلك أن أحد زعمائهم (فروة بن عمر والجذاميّ، وكان قائدا لفرقة من جيش الروم) ما لبث أن أعلن إسلامه؛ فقبض عليه بأمر من هرقل بتهمة الخيانة. وكان هرقل على استعداد للإفراج عنه إذا هو عاد إلى المسيحية، بل كان على استعداد أن يردّه إلى مركز القيادة الّذي كان فيه. لكن فروة أبى وأصرّ على إبائه وعلى إسلامه فقتل. وكان من ذلك أيضا أن ازداد الإسلام انتشارا بين قبائل نجد المتاخمة للعراق والشام حيث كان سلطان الروم في ذروته.
وزاد في انضمام الناس إلى الدين الجديد اضطراب أحوال الدولة البزنطية اضطرابا جعل أحد عمّال هرقل، وقد كلف أن يدفع للجيش رواتبه، يصيح في وجه عرب الشام الذين اشتركوا في الحرب:
«انسحبوا. فالإمبراطور لا يجد ما يدفع منه رواتب جنده إلا بمشقة. وليس لديه لذلك ما يوزعه على كلابه» .