وقد اختلف الرواة، فذكر أكثرهم أن النبي عفا عن زينب وقدّر لها عذرها بعد الذي أصاب أباها وزوجها. وذكر بعضهم أنها قتلت في بشر الذي مات مسموما.
وقد تركت فعلة زينب في نفوس المسلمين أعمق الأثر، وجعلتهم في أعقاب خيبر لا يثقون باليهود، بل يخشون غدرهم أفرادا بعد أن قضى على جماعتهم القضاء الأخير. كانت صفيّة ابنة حيىّ بن أخطب النّضيرية من بين السبايا اللائي أخذ المسلمون من حصون خيبر، وكانت زوجا لكنانة بن الربيع، وكان عند كنانة مما يعرف المسلمون كنز بني النضير. فسأله النبيّ فأقسم لا يعرف مكانه. فقال له محمد: إن وجدناه عندك أأقتلك؟
قال نعم. وكان أحدهم قد رأى كنانة يطوف بخربة وذكر أمره للنبي، فأمر بالخربة فحفرت فأخرج منها بعض الكنز، فقتل في إنكاره. فلما خلصت صفيّة إلى المسلمين وصارت بين الأسرى، قيل للنبيّ: «صفية سيّدة بني قريظة والنّضير لا تصلح إلا لك» فأعتقها وتزوجها مقتفيا بذلك أثر الفاتحين العظماء الذين كانوا يتزوجون من بنات عظاماء الممالك التي يفتحونها ليخففوا من مصابهم ويحافظوا من كرامتهم. وقد خشي أبو أيوب خالد الأنصاري أن تتحرك في نفسها الضغينة على الرسول الذي قتل أباها وزوجها وقومها؛ لذلك بات حول الخيمة التي أعرس فيها محمد بصفيّة في طريق عودته من خيبر متوشحا سيفه. فلما أصبح الرسول ورآه سأله: ما لك؟
قال: خفت عليك من هذه المرأة وقد قتلت أباها وزوجها وقومها وقد كانت حديثة عهد بكفر. على أن صفيّة أقامت على الوفاء لمحمد حتى قبضه الله إليه. وقد اجتمع نساؤه حوله في مرضه الأخير؛ فقالت صفيّة: أما والله نبيّ الله لوددت أن الذي بك بي. فتغامز بها أزواج النبي. فقال لهن: مضمضن. قلن: من أيّ شيء يا نبيّ الله؟ قال: من تغامزكن بصاحبتكن، والله إنها لصادقة. وبقيت صفية بعد النبيّ حتى خلافة معاوية، وفيها توفيت ودفنت بالبقيع.
ماذا فعل الله بالرسل الذين أوفدهم محمد إلى هرقل وكسرى والنجاشي وغيرهم من الملوك المحيطين ببلاد العرب؟! هل سافروا قبل غزوة خيبر، أو هم حضروها حتى تمّ النصر للمسلمين فيها ثم سافروا من بعدها كلّ إلى ناحيته؟ يختلف المؤرخون في ذلك اختلافا كبيرا يصعب معه القطع في الأمر بقول: وأكبر ظننا أنهم لم يسافروا جميعا في وقت واحد، وأن منهم من سافر قبل خيبر ومنهم من سافر بعدها. فقد جاء في غير رواية أن دحية بن خليفة الكلبيّ حضر خيبر وهو مع ذلك الذي ذهب برسالة هرقل. سافر إليه وكان هرقل يومئذ عائدا يحفّ به النصر بعد أن تغلّب على الفرس واستنقذ منهم الصليب الأعظم الذي أخذ من بيت المقدس، وآن له أن يتمّ نذوره وأن يحج إلى بيت المقدس ماشيا ليردّ الصليب الأعظم إلى مكانه، وكان قد بلغ من سياحته مدينة حمص حين حمل الخطاب إليه. هل حمله إليه جماعة من رجاله بعد أن أسلم دحية الخطاب إلى عامله على بصرى، أو أنه اطلّع عليه بعد أن أدخل جماعة من البدو ودحية على رأسهم يقدّم إليه الكتاب بنفسه؟ هذا ما تضطرب الرواية كذلك حوله. وتلى الخطاب عليه وترجم له، فلم يغضب ولم تثر ثائرته، ولم يفكر في إرسال جيش يغزو بلاد العرب، بل ردّ على الرسالة ردّا حسنا جعل بعض المؤرخين يزعمون خطأ أنه أسلم.
وفي الوقت نفسه بعث الحارث الغسّاني إلى هرقل يخبره أن رسولا جاءه من محمد بكتاب، رأى هرقل شبهه بالكتاب الذي أرسل إليه يدعوه إلى الإسلام ويستأذن الحارث في أن يقوم على رأس جيش لمعاقبة هذا المدّعي