نفذت طبعة هذا الكتاب الأولى بأسرع من كل ما قدّر لها. فقد صدر منها عشرة آلاف نسخة نفد ثلثها بالاشتراك في الكتاب أثناء طبعه، ونفد سائرها خلال ثلاثة أشهر من صدوره. ولقد دل الإقبال على اقتناء هذا الكتاب على عناية القرّاء بالبحث الذي يحتويه. لذلك لم يكن بد من التفكير في إعادة طبعه، وفي إعادة النظر فيه.
وموضوع الكتاب هو السبب الأوّل في الإقبال عليه لا ريب. ولعل الطريقة التي عولج بها كانت ذات أثر في الإقبال عليه كذلك. وأيّا كان السبب فقد سألت نفسي حين فكّرت في أمر الطبعة الثانية: أفأعيدها صورة من الطبعة الأولى لا أزيد فيها ولا أنقص منها، أم أرجع إليها بالتنقيح والزيادة والتصحيح فيما تتّضح لي ضرورة تصحيحه أو تنقيحه أو الزيادة عليه؟ ولقد أشار عليّ بعض من أقدر مشورتهم أن أجعل الثانية صورة من الطبعة الأولى كيما تتحقق المساواة بين الذين يقتنون أيّا من الطبعتين، ولكي يتسع لي زمن المراجعة والتنقيح فيما بعد هذه الطبعة الثانية. وكدت آخذ بهذا الرأي. ولو أنني فعلت لكانت هذه الطبعة في أيدي القرّاء منذ أشهر. غير أني تردّدت في الأخذ بهذه المشورة، ثم انتهيت إلى ضرورة التنقيح والزيادة لاعتبارات شتّى. وكان أوّل هذه الاعتبارات بعض ملاحظات تفضّل الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي بإبدائها لي حين أطلعته على ما تم طبعه من الكتاب قبل ظهور طبعته الأولى فتفضّل بوضع التعريف الذي صدّرت به. فلما ظهر الكتاب تفضّل بعض الكتاب والعلماء بالتنويه به في الصحف والمجلات وعن طريق الإذاعة، وأبدوا ما عنّ لهم من الملاحظات عليه. وقد أبديت هذه الملاحظات جميعا بعد الثناء الجم على مجهود بذلته لست أحسبه جديرا بكل هذا التقدير، وأبديت حرصا على ألّا تشوب كتابا عن النبيّ العربي هنة من الهنات ما دام مؤلفه قد وفّق في وضعه توفيقا أرضاهم ونال تقديرهم. لذلك لم يكن بدّ من أن أعير هذه الملاحظات ما هي جديرة به من عظيم العناية.
ولعل هذا الرضا والتقدير هما اللذان جعلا طائفة من هذه الملاحظات ترد على مسائل كمالية لا تتصل بجوهر الكتاب ولا بما ورد من الروايات فيه. فمنها ما يرجو أصحابه إيضاح بعض أمور رأوها في حاجة إلى الإيضاح. ومنها ما يرمي إلى مزيد من التدقيق في استعمال حروف الجرّ، أو إلى اقتراح بعض ألفاظ بدل أخرى يعتقد الذين اقترحوها أنها أدق تعبيرا عن المعنى المقصود. على أن طائفة من الملاحظات انصبّت على بعض