طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (?) (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) (?) . ولقد نزلت هذه الآية في أخريات السنة الثامنة للهجرة بعد أن كان قد بنى بأزواجه جميعا، ونزلت لتحدّد عدد الزوجات بأربع وقد كان إلى حين نزولها لا حدّ له، مما يسقط قول القائلين بأن محمدا أباح لنفسه ما حرّم على الناس. ثم نزلت لتشيد بفضل الزوجة الواحدة وتأمر بها لمجرد الخوف من عدم العدل، ومع التأكيد بأن العدل غير مستطاع. على أنه رأى في ظروف حياة الجماعة الاستثنائية إمكان الحاجة للتعدد إلى أربع على شرط العدل. وهو قد دعا إلى ذلك بمثله الذي ضرب أيام غزوات المسلمين واستشهاد من استشهد منهم. ولعمرك هل تستطيع أن تقطع بأن الاقتصار على الزوجة الواحدة، حين تحصد الحروب أو الأوبئة أو الثورات ألوف الرجال وملايينها، خير من هذا التعدد الذي أبيح على طريق الاستثناء؟! وهل يستطيع أهل أوربا، في هذا العصر الذي عقب الحرب الكبرى، أن يقولوا بأن نظام الزوجة الواحدة نظام نافذ بالفعل إن استطاعوا أن يقولوا إنه نافذ بالقانون؟ أولا يعود سبب الاضطراب الاقتصادي والاجتماعي الذي عقب الحرب إلى عدم التعاون المشروع بين الجنسين بالزواج تعاونا قد كان من شأنه أن يعيد إلى الحال الاقتصادية شيئا غير قليل من التوازن؟! إنني لا أريد أن أقطع بالحكم لكني أترك الأمر لتفكير المفكر وتدبير المدبر، مع القول دائما بأنه متى عادت الحياة العادية فخير ما يكفل سعادة الأسرة وسعادة الأمة اقتصار الرجل على زوجة واحدة.
أمّا زينب بنت جحش، وما أضفى بعض الرواة وأضفى المستشرقون والمبشرون عليها من أستار الخيال حتى جعلوها قصة غرام ووله، فالتاريخ الصحيح يحكم بأنها من مفاخر محمد، وأنه، وهو المثل الكامل للإيمان، قد طبّق فيها حديثه الذي معناه: لا يكمل إيمان المرء حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه؛ وقد جعل نفسه أول من يضرب المثل لما يضع من تشريع يمحو به تقاليد الجاهليّة وعاداتها، ويقرّ به النظام الجديد الذي أنزل الله هدى ورحمة للعالمين. ويكفي لهدم كل القصة التي قرأت عنها من أساسها أن زينب بنت جحش هذه هي ابنة أميمة بنت عبد المطلب عمّة رسول الله عليه السلام، وأنها ربيت بعينه وعنايته، وأنها كانت لذلك منه بمقام البنت أو الأخت الصغرى وأنه كان يعرفها ويعرف أهي ذات مفاتن أم ليست كذلك قبل أن تتزوج زيدا.
وأنه شهدها في نموّها تحبو من الطفولة إلى الصّبا وإلى الشباب، وأنه هو الذي خطبها على زيد مولاه. إذا عرفت ذلك تداعت أمام نظرك كل تلك الخيالات والأقاصيص من أنه مرّ ببيت زيد ولم يكن فيه، فرأى زينب فبهره حسنها وقال: سبحان مقلب القلوب! أو أنه لمّا فتح باب زيد عبث الهواء بالستار الذي على غرفة زينب، فألفاها في قميصها ممددة وكأنها «مدام ركامييه!» فانقلب قلبه فجأة ونسي سودة وعائشة وحفصة وزينب بنت خزيمة وأم سلمة ونسي كذلك ذكر خديجة التي كانت عائشة تقول: إنها لم تجد في نفسها غيرة من أحد من نساء النبيّ ما وجدت من ذكر خديجة. ولو أن شيئا من حبها علق بقلبه لخطبها إلى أهلها على نفسه بدل أن يخطبها على زيد. وهذه الصّلة بين زينب ومحمد، وهذا التصوير الذي صوّرناها به، لا يدعان بعدهما لتلك القصة الخيالية التي يروون أيّ أساس من الحق أو أيّ حظّ في البقاء.
وماذا يثبت التاريخ أيضا؟ يثبت أن محمدا خطب إبنة عمته زينب على مولاه زيد؛ فأبى أخوها عبد الله بن