دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ. ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ. إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (?) .
تقول المسيحيّة بالتثليث وبأن عيسى ابن الله، والإسلام ينكر إنكارا صريحا باتّا أن يكون لله ولد. (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) (?) . (ما كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ) (?) . (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (?) .
والإسلام دين توحيد في أشدّ معاني التوحيد صفاء وقوة، وفي أشد معاني التوحيد بساطة ووضوحا. وكل ما يمكن أن يلقي ظلا على فكرة التوحيد أو صورته ينكره الإسلام ويراه كفرا. (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ)
(?) .
فمهما يكن للصورة المسيحية في التثليث من صلة تاريخية ببعض الأديان القديمة فهي ليست من الحق عند محمد في شيء. إنما الحق هو الله وحده، لا شريك له، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. فلا عجب إذا أن تكون بين محمد ونصارى عهده تلك المجادلة بالتي هي أحسن، وأن يؤيد الوحي محمدا بما تلوت من الآيات.
ومسألة أخرى يختلف فيها الإسلام والنصرانية، وكانت مثار جدل بينهما في عهد النبيّ: تلك مسألة صلب عيسى ليفتدي بدمه خطايا الخلق. فالقرآن صريح في نفي أن اليهود قتلوا المسيح أو صلبوه، إذ يقول:
(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً. بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (?) .
ولئن كانت فكرة افتداء المسيح بدمه خطايا إخوته من بني آدم جميلة لا ريب ويستحق ما كتب فيها دراسة من نواحيه الشعرية والخلقية والنفسية، لقد كان المبدأ الذي قرّره الإسلام من أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأنّ كل أمرئ يوم القيامة مجزىّ بأعماله إن خيرا فخير وإن شرّا فشرّ، يجعل التقريب المنطقيّ بين العقيدتين غير ممكن، ويجعل منطق الإسلام من الدقة بحيث لا تجدي معه محاولات التوفيق، مع التناقض الواضح بين فكرة الافتداء وفكرة الجزاء الذاتي. (لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً) (?) .
هل فكر أحد من نصارى يومئذ في هذا الدين الجديد وفي إمكان التوفيق بين فكرة التوحيد فيه وبين ما جاء به عيسى؟ نعم، وآمن به منهم كثيرون. ولكن الروم الذين اغتبط المسلمون بنصرهم واعتبروه نصرا للأديان الكتابية؛ لم يكلف سادتهم أنفسهم مؤونة البحث في الدين الجديد، ولم يلبثوا أن نظروا إلى الأمر من ناحيته السياسية، وفكروا فيما يصيب ملكهم إذا تمّ للدين الجديد الغلب. لذلك بدؤا يأتمرون به وبأهله،