نعم قد ألَّفوا في الفقه على هذه الطريقة كما فعل ذلك ابن أبي شيبة، ولكن الفقه ليس موضوع بحثي، وألَّفوا في العقيدة كما فعل الصابوني، والعقيدة جزء من هذا البحث الذي أنا بصدده، وألَّفوا في السلوك والأخلاق كما فعل الغزالي، ولكن كلام السلف وأحوالهم لم يكن موضوع كتابه وإنما هو ضمن كلامه وبحثه.
ومن خلال قراءتي لبعض كتب هؤلاء العلماء عليهم رحمة الله وجدت فيها فوائد ودرراً لا توجد في غيرها، جَمَعَت للمسلم ما يحتاجه من أمور دينه ودنياه، من كلام سلفه الصالح وتوجيهاتهم وأحوالهم.
وقد حاولت بحسب قدرتي واستطاعتي على استيعاب أكبر قدر ممكن مما نُقل عنهم من خلال ما قرأته من الكتب التي ذكرتها في المراجع.
ولكن هذه الكتب لا تخلو من الملاحظات التي ذكرت. ولقد تقاصرت همم الناس عن همم هؤلاء العلماء، فصعب على كثير من الناس قراءتها والاطلاع عليها، مع ما فيها من الفائدة العظيمة، والعلوم الكثيرة. يقول الإمام الذهبي رحمه الله في آخر كتابه المنتقى الذي اختصر فيه كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية " منهاج السُّنَّة ": وهذا " المنتقى " فيه كفاية بحسب همم الناس، والأصل فبحسب همة الشيخ - أي: شيخ الإسلام. (?)
فإذا كان هذا كلام الإمام الذهبي، فكيف بنا ونحن في هذا العصر الذي كثرت فيه الملهيات والأشغال والفتن، نسأل الله أن يرحمنا برحمته.
علمًا بأن ما قمت به من جمع ما نُقل عن السلف ما هو إلا نزر يسير مما هو مُسطَّر في الكتب الأخرى التي يصعب جمعها ويعسر ذكرها، وما قمت به هي محاولة في جمع أخبارهم، وذكر سيرهم، في شتى المواضيع والميادين، ليسهل على القارئ والباحث الإطلاع على ما يريد من سيرهم وأخبارهم.
وقد عقدت العزم مستعينًا بالله جل وعلا على المُضي في جمع هذه