بأيدينا، فسبقت كف هارون قبلي إليه، فقال: يا لها من كف، ما ألينها، إن نجت غدًا من عذاب الله تعالى. فقلت في نفسي: ليكلمنه الليلة بكلام من قلب نقي. فقال له: خذ لما جئناك له رحمك الله.
قال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حيوة. فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا الأمر فأشيروا عليَّ.
فقال سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة غدًا من عذاب الله - عزَّ وجلَّ - فصُم عن الدنيا، وليكن إفطارك فيها الموت.
وقال محمد بن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أبًا، وأوسطهم أخًا، وأصغرهم عندك ولدًا، فوقّر أباك، وأكرم أخاك، وتحنن على ولدك.
وقال له رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة غدًا من عذاب الله - عزَّ وجلَّ - فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك، واكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مُتْ إذا شئت، وإني أقول لك إني أخاف عليك أشد الخوف، يومًا تزل فيه الأقدام، فهل معك - رحمك الله - مَنْ يشير عليك بمثل هذا؟
فبكى بكاءً شديدًا حتى غشي عليه، فقلت: أرفق بأمير المؤمنين فقال: يا بن أم الربيع، تقتله أنت وأصحابك وأرفق أنا به؟ ثم أفاق فقال له: زدني رحمك الله. فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز شكى إليه، فكتب إليه عمر:
يا أخي، أذكرك الله طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد منك وانقطاع الرجاء.
فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر بن عبد العزيز فقال: ما أقدمك؟
قال: خلعت قلبي بكتابك، لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله - عزَّ وجلَّ - قال: فبكى هارون بكاءً شديدًا، ثم قال: زدني رحمك الله.