وقد هلَّ هذا العام الجديد، ورطل الخبز الشامي بأربع مصاري وبخمسة، ورطل الأرز بثمانية مصاري، ورطل الدبس بثمانية مصاري، وأوقية السمن بستة مصاري ولا توجد، مع أنه كان من نحو شهر كل رطل وثمانية أواق بقرش، ولكن الخزان ما أبقى للفقراء قمصان، وأوقية العسل بخمسة مصاري، ورطل اللحم الضأن بثلاثين مصرية ورطل الثوم باثني عشر مصرية، ورطل لحم الجاموس ولحم البقر بعشرين مصرية، وأوقية الزيت بمصريتين وقطعة، وهذا الغلاء ما سمعنا بمثله أبداً وقد طال المطال، والناس منتظرة للفرج من الملك المتعال.

قال المؤرخ: وفي أوائل هذه السنة الجديدة توفي الحسيب والنسيب السيد أحمد البابا، رئيس حرفة الدباغين، كان رحمه الله بهي المنظر ذا هيبة حسنة، ولنا معه صحبة.

وفي رابع وعشرين محرم، كان دخول الجوخدار من الحاج الشريف، يبشر بالسلامة وحسن السيرة، ثم جاء الكتّاب ومعه المكاتيب، ثامن وعشرين محرم نهار الأحد من هذه السنة المذكورة. وفي سلخ محرم صار في دمشق سيل عرمرم، ما رؤي قط مثله من قديم الزمان، وعقبه نزل برد كبير استقام نزوله مقدار ساعتين، حتى علا على وجه الأرض مقدار ذراع ونصف.

وفي أوائل شهر صفر الخير، جاء خبر عن الحج الشريف بأنه غرق في الحسا قريباً ممن القطرانة، وذهب على ما قيل مقدار نصف الحاج، من خيل وجمال وبغال، ونساء ورجال وأموال وأحمال وقد غرق لأحد التجار سبعة عشر حمل، كل حمل لا يقام بثمن، فاستغاثوا بحضرة سليمان باشا العظم والي الشام، وأمير الحاج، وقالوا: نحن نهب لك مالنا وخذه أنت ولا تتركه للعرب. فحالاً نهض وأخذ معه جماعة، وذهب نحو مرحلة، وقد خاطر هو وجماعته، ثم غاب يوماً وليلة بعدما جدّوا في طلبه، وإذا هو قادم ومعه الأحمال، لم تنقص ولا ذرة. ثم ناداهم وسلمهم إلى أصحابهم، ولم يدنس حجه بشيء. وقد عدوا هذه المنقبة لمثله، من الهمم العالية والمروءة السامية، وبوصولهم أيضاً للبلقة جاء أيضاً سيل عظيم، أخذ مقداراً عظيماً من الحج، وأراد أن يتمم على بقية الحج، لولا أن تداركه الله بلطفه. ولما حصل هذا الأمر، كتب حضرة أمير الحاج سليمان باشا توقيعاً، وأرسله إلى الشام وإلى من حواليه، بأن يأتوه بعلف وذخيرة، فنادى المنادي في شوارع دمشق: يا أمة محمد، من كان يحب الله ورسوله، وتمكن من الخروج فليخرج، ومعه ما يقدر عليه من مأكل ومشرب وملبس، فليخرج ليلاقي الحجاج فخرجت الخلق مثل الجراد.

وفي يوم الأحد رابع صفر الخير دخل الحاج، وثاني يوم دخل المحمل الشريف مع حضرة سليمان باشا، وكانت سنة هائلة أخبر الحجاج أن مدّ العليق صار بقرشين، وفي بعض الأماكن بأربع قروش، وكل ثلاث تمرات بمصرية، وهذا شيء ما سمع من قديم الزمان، وبيع كعب البقسماط بثلث قرش. وكانت دمشق أشد غلاءً من غيرها، حتى مدّ الملح وصل ثمنه إلى ثلاثين مصرية، والدبس الأوقية بمصرية، واللبن في آذار رطله بسبعة مصاري، والخبز لا يوجد، والحكام يخزنون، وأهل البلد يفعلون كفعلهم، وإلى الله المصير.

وفي يوم الاثنين ثالث عشر صفر الخير من هذا العام، توفي العالم العامل، الشيخ أمين أفندي ابن الخراط رحمه الله.

وفي غرة ربيع الأول من هذه السنة شرع حضرة والي دمشق الشام، سليمان باشا ابن العظم في فرح، لأجل ختان ولده العزيز أحمد بك، وكان في الجنينة التي في محلة العمارة، وجمع فيه سائر الملاعب وأرباب الغناء واليهود والنصارى، واجتمع فيه الأعيان والأكابر من الأفندية والأغوات ما لا يحصى، وأطلق الحرية لأجل الملاعب يلعبون بما شاؤوا. من رقص وخلاعة وغير ذلك، ولا زالوا على هذا الحال سبعة أيام بلياليها. وبعد ذلك أمر بالزينة، فتزينت أسواق الشام كلها سبعة أيام، بإيقاد الشموع والقناديل، زينة ما سمع بمثلها، وعمل موكب ركب فيه الأغوات والشربجية، والأكابر والإنكشارية، وفيه الملاعب الغريبة من تمثيل شجعان العرب وغير ذلك. وثاني يوم طهّر ولده أحمد بك، وأمر من صدقاته أن يطهّر من أولاد الفقراء وغيرهم ممن أراد، فصارت تقبل الناس بأولادهم، وكلما طهّروا ولداً يعطوه بدلة وذهبين، وأنعم على الخاص والعام، والفقراء والمساكين بأطعمة وأكسية وغير ذلك، مما لم يفعل أحد بعض ما فعل، ولم نسمع أيضاً بمثل هذا الإكرام والإنعام، على الخاص والعام، فرحمه الله وجازاه أحسن الجزاء، آمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015