ثم دخل شهر رمضان المبارك نهار الخميس، وصار العيد يوم الجمعة، فصار عيداً للأموات والأحياء، لكنه للأموات أكثر. فقبل عيد الفطر بيومين وبعده بيومين يخرج من كل باب من أبواب دمشق ممن مات مطعونا في كل يوم نحواً من ألف جنازة والعياذ بالله.
وهذا شيء ما سمع من عهد الطاعون عمواس، نسأله تعالى اللطف فيما جرت به المقادير. وصار النقص أيضاً في الفاكهة، حتى صارت أوقية الجانرك بمصريتين، والمشمش رطله بأربعة وعشرين مصرية، ورطل التوت بثمانية مصاري، ورطل التفاح بأربعة وعشرين مصرية، ورطل الأنجاص بثلاثين مصرية، ورطل الثوم بثلاثين مصرية، ورطل البصل بسبعة مصاري، واللحم والأرز وغيره على نحو ما قدمنا، وقد طال الأمر وكثر القهر وزال السرور، وزادت البغضاء والشرور، ولم يدر الإنسان أين يدور، من شدة البكاء والنفور، ولله عاقبة الأمور.
وفي يوم الجمعة الخامس عشر من شوال سار محمد باشا الشالك بالركب الشامي إلى الحرمين الشريفين. وبعد يومين سار الحاج بمهماته وبعد أيام جاء عثمان باشا والي مدينة طرابلس سردار الجردة، وكان نزوله مدة إقامته في قرية من القرايا من غير أسف ولا ندم، وسار مسافراً في ذي الحجة مع كواخي صيدا ونابلس.
وفي نصف ذي الحجة توفي الشيخ أحمد بن سوار شيخ المحيا، وكان علاّمة زمانه ووقته، وله شجاعة زائدة وبراعة في العلوم متزايدة، وصار له مشهد عظيم، ودفن في تربة قبر السيدة عاتكة. وبعده توفي ابن عمه الحسيب النسيب الشيخ سليمان، وكان يعمل المحيا في جامع الأموي وفي جامع البزوري الذي في محلتهم. وبهذا الشهر أيضاً توفي العالم العلامة مفتي السادة المالكية الشيخ يوسف أفندي، وصار له مشهد عظيم، ودفن بمرج الدحداح، رحمه الله تَعالى.
ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومئة وألف، وكان غرة محرمها الثلاثاء، وكان دخولها في اشتداد الحر. وفي السابع والعشرين من المحرم قدم جوقدار الحج الشريف، وبعده دخل الكَتّاب، وأخبر أن هذه الحجة بغاية الراحة، وأن عثمان باشا سردار الجردة صنع من الخيرات في هديه أشياء ما صنعها غيره. وذلك أنهم لما التقوا بالجردة وجدوا عثمان باشا سردار الجردة قد سبقهم، وفي انتظارهم له إحدى عشر يوماً مقيم في هدية، وهذا ما سبق لأحد قبله. وقد أغاث الحجاج بالإكرام، فقد أطعم الجائع وسقى العطشان، وركب العيّان وكسا العريان. ثم لما وصلت أفعاله الحسنى إلى الدولة العلية صانها المولى من كل بلاء وبلية وجّهوا عليه إمارة الشام، ووجهوا لولده محمد باشا مدينة طرابلس.
وفي نهار الأربعاء السابع والعشرين من ربيع الأول جاء قبجي بعزل محمد باشا الشالك من الشام وبتوجيهها لعثمان باشا سردار الجردة.
وفي هذه الأيام بوشر بعمارة جامع الأموي، فدخلته المعمارية والنجارون والدهانون والحجّارة، وبذلوا الهمة بتعمير القبة والجهة الشرقية وما سقط من المآذن وبتحسين جميعه، ولا يُفتح إلا في وقت الصلاة فقط. والعمارة أيضاً مشتغلة في القلعة وترميمها، وقد تمت عمارة القلعة في شهر رجب سنة تاريخه، وتم تعمير الجامع الأموي والجهة الشمالية والقبة وترميم المنائر وتحسينه في شهر رمضان من هذه السنة.
وقبيل شهر رجب سار عثمان باشا إلى الدورة، وفتح فيها قلعة طرطورة، وكانت تلك القلعة في يد الظاهر عمر، وقتل كذا، ولما رجع عنها عثمان باشا أخذها الظاهر عمر بقوة جيشه بلا محاصرة.
وفي هذه السنة المطر غزير والطاعون المفرط والوباء زائد الحدّ والفاكهة قليلة جداً، والغلاء مطنب كما أسلفنا: فالرمانة الواحدة بثمان مصاري وأوقية التفاح بسبع مصاري، ورطل الفحم بخمسة عشر مصرية، وأوقية السمن بسبع مصاري، وأوقية الزيت بثلاث مصاري، وبقية المقتاتات على هذا النمط كما أسلفنا، وأما القيمق فقد صار رطله بريال، وما بقي للفقراء حال. وفي اثنين وعشرين شعبان من هذه السنة جاء عثمان باشا من الدورة وأحواله مسرورة. ونهار الاثنين ثبت رمضان المبارك، وثالث ليلة منه والناس في صلاة التراويح صارت زلزلة مزعجة، فقطعت الناس صلاة التراويح، وتهاربت الناس، وداست بعضها بعضا، وانذهلت عقولهم وفُقدت نراجيلهم وبعض ثيابهم، وثاني ليلة حصلت أيضاً مع رجّات لا تُدرك.
سنة 1174